الخميس، 11 يوليو 2013
أوهام دينية
*ﻗﺒﻞ* ﺃﺭﺑﻌﺔ ﻗﺮﻭﻥ، ﺣَﺬَّﺭ ﺍﻟﻤﻔﻜﺮ ﺍﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲ ﻓﺮﻧﺴﻴﺲ ﺑﻴﻜﻮﻥ (1561 – 1626)، ﺃﺣﺪ ﺁﺑﺎﺀ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ، ﻣﻦ ﺃﻭﻫﺎﻡ ﺃﻭ ﺃﺻﻨﺎﻡ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳُﺒﺘﻠﻰ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﻌﺎﺭﻓﻮﻥ، ﻓﺘﺤﺮﻓﻬﻢ ﻋﻦ ﺍﻟﻔﻬﻢ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ ﺃﻭ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺍﻟﺼﺎﺋﺐ، ﻭﺗﻮﻗﻌﻬﻢ ﻓﻲ ﺃﺧﻄﺎﺀ ﻭﻣﻐﺎﻟﻄﺎﺕ ﻻ ﺣﺼﺮ ﻟﻬﺎ، ﻭﺗﻘﻒ ﻋﺎﺋﻘًﺎ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺘﻘﺪﻡ ﻋﻠﻰ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺍﻟﺼﻌﺪ ﺍﻟﻔﺮﺩﻳﺔ ﻭﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ[1]
.
ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻭﺛﺎﻥ، ﻛﻤﺎ ﺳﻤَّﺎﻫﺎ ﺑﻴﻜﻮﻥ ﻭﻭﺻﻔﻬﺎ[2]
، ﺃﺭﺑﻌﺔ:
1. ﻭﺛﻦ ﺍﻟﻘﺒﻴﻠﺔ، ﻭﻫﻮ ﻧﺰﻋﺔ ﻣﺘﺄﺻﻠﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺗﻜﺒِّﻠﻬﺎ ﺑﺎﻟﻤﺤﺴﻮﺳﺎﺕ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻭﺗﻤﻨﻌﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻮﺻﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﻘﻮﻡ ﺃﻱ ﻋﻠﻢ ﺃﻭ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺑﺪﻭﻧﻬﺎ.
2. ﻭﺛﻦ ﺍﻟﻜَﻬْﻒ، ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺧﻄﺎﺀ ﺍﻟﻔﺮﺩﻳﺔ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻬﺬﺍ ﺃﻭ ﺫﺍﻙ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺎﺭﻓﻴﻦ. ﻭﻫﻲ ﻧﺎﺷﺌﺔ ﻋﻦ ﻋﻮﺍﻣﻞ، ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻤﺰﺍﺝ ﻭﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﻘﺮﺍﺀﺍﺕ ﻭﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ، ﺗَﺤﻤﻞ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﻈﻮﺍﻫﺮ ﺑﻨﺎﺀً ﻋﻠﻰ ﻣﺤﺪﻭﺩﻳﺎﺗﻪ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ.
3. ﻭﺛﻦ ﺍﻟﺴﻮﻕ، ﻭﻫﻮ ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﻃﺮﺍﺋﻖ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺍﻟﻠﻐﺔ، ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻨﺎ: "ﻃﻠﻌﺖ ﺍﻟﺸﻤﺲ" ﺃﻭ "ﻏﺎﺑﺖ ﺍﻟﺸﻤﺲ". ﻭﻫﺬﺍ ﻭﺻﻒ ﻳﻔﺘﻘﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺼﺤﺔ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻭﺍﻟﺪﻗَّﺔ ﺍﻟﻠﻐﻮﻳﺔ، ﻷﻥ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻻ ﺗَﻄﻠﻊ ﻭﻻ ﺗﻨﺰﻝ ﺇﻻ ﻇﺎﻫﺮﻳًﺎ. ﻟﻜﻨﻪ ﻛﻼﻡ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻪ ﺃﻥ ﻳﻮﻗِﻊ ﻛﺜﻴﺮﻳﻦ ﻓﻲ ﺃﺧﻄﺎﺀ.
4. ﻭﺛﻦ ﺍﻟﻤﺴﺮﺡ، ﺍﻵﺗﻲ ﻣﻦ ﻣﺬﺍﻫﺐ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ ﺃﻭ ﻋﻠﻤﻴﺔ ﺃﻭ ﻣﻌﺮﻓﻴﺔ ﺳﺎﺑﻘﺔ ﻗﺪ ﻳﺘﺒﻨَّﺎﻫﺎ ﺍﻟﻤﺮﺀ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻏﻴﺮ ﻧﻘﺪﻱ، ﻭﻳﺒﻨﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻧﻈﺮﺍﺗﻪ ﻭﺃﺣﻜﺎﻣﻪ. ﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺘﻌﻮﻳﻞ ﺍﻟﺴﻄﺤﻲ ﻋﻠﻰ ﺃﻓﻼﻃﻮﻥ ﺃﻭ ﺃﺭﺳﻄﻮ ﺃﻭ ﺗﻮﻣﺎ ﺍﻷﻛﻮﻳﻨﻲ ﺃﻭ ﺍﺑﻦ ﺭﺷﺪ ﺃﻭ ﺩﺍﺭﻭﻳﻦ ﺃﻭ ﻓﺮﻭﻳﺪ ﺃﻭ ﺳﻮﺍﻫﻢ، ﺃﻱ ﺍﻟﻘﺒﻮﻝ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﻔﺴَّﺮ ﻭﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺒﺮَّﺭ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺮﺃﻱ ﺃﻭ ﺫﺍﻙ ﻻ ﻟﺸﻲﺀ ﺇﻻ ﻟﺼﺪﻭﺭﻩ ﻋﻦ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ، ﻣﺮﺍﺩﻓًﺎ ﻹﻗﺎﻟﺔ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻻﺣﺘﻜﺎﻡ ﺍﻷﻋﻤﻰ ﺇﻟﻰ ﺳﻠﻄﺎﻥ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮﺓ.
ﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﺃﺳﺘﻬﻞُّ ﻛﻼﻣﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺳَﻤَّﻴﺘُﻪ "ﺃﻭﻫﺎﻡ ﺍﻟﻌﻠﻢ" ﻭ"ﺃﻭﻫﺎﻡ ﺍﻟﺪﻳﻦ". ﻭﺗَﺠﻨُّﺒًﺎ ﻟﻠﺴﻘﻮﻁ ﺷﺨﺼﻴًﺎ ﻓﻲ ﺃﻱٍّ ﻣﻦ ﺃﻭﺛﺎﻥ ﺑﻴﻜﻮﻥ، ﺃُﺑﺎﺩﺭ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺑﺄﻥَّ ﺃﻭﻫﺎﻡ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻫﺬﻩ ﻻ ﺗﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﺷﺨﺺ ﺧﻔﻲٍّ ﺍﺳﻤُﻪ "ﺍﻟﻌﻠﻢ"، ﻛﻤﺎ ﻻ ﺗﺄﺗﻲ ﺃﻭﻫﺎﻡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻫﺬﻩ ﻣﻦ ﺷﺒﺢ ﻣﺨﺒﻮﺀ ﻓﻲ ﺁﻟﺔ ﻳُﺪْﻋﻰ "ﺍﻟﺪﻳﻦ"، ﺭﻏﻢ ﻟﺠﻮﺀ ﺍﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺜﻘﻔﻴﻦ ﻭﻃﻼﺏ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ، ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻣﻦ ﺫﻭﻱ ﺍﺧﺘﺼﺎﺹ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ ﻭﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﻛﻠﻴﻬﻤﺎ، ﺇﻟﻰ ﻋﺒﺎﺭﺍﺕٍ ﻣﻦ ﻧﻮﻉ: "ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﻌﻠﻢ" ﺃﻭ "ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﺪﻳﻦ". ﻭﻻ ﻳﺨﻔﻰ، ﻓﻲ ﺿﻮﺀ ﻣﺎ ﻣﺮَّ ﻣﻌﻨﺎ، ﺃﻥَّ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻤﻂ ﻣﻦ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﻫﻮ ﻣﺜَﻞ ﺻﺎﺭﺥ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺳﻤَّﺎﻩ ﺑﻴﻜﻮﻥ "ﻭﻫﻢ ﺍﻟﺴﻮﻕ". ﻓﺎﻟﻌﻠﻢ ﻻ ﻳﻘﻮﻝ ﺷﻴﺌًﺎ، ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﺪﻳﻦ. ﻭﺍﻷﺣﺮﻯ ﺃﻥَّ ﻣَﻦ ﻳﻘﻮﻝ ﻫﻮ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻨﺎﻃﻘﻴﻦ ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺃﻭ ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﺪﻳﻦ، ﻭﺃﻥَّ ﺃﻗﻮﺍﻟﻬﻢ ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺗُﻠﺰﻣﻬﻢ ﻭﺣﺪﻫﻢ ﻛﺄﻓﺮﺍﺩ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﺗﻨﺘﻘﻞ ﺗﺒﻌﺎﺗﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻣﺠﻤَﻞ ﻣﺎ ﻳﺴﻤَّﻰ ﻋﻠﻤًﺎ ﺃﻭ ﺩﻳﻨًﺎ[3]
. ﻟﺬﻟﻚ ﻻ ﺗُﺮْﻋِﺒَﻨﺎ ﺃﻭ ﺗُﺮْﻫِﺒَﻨﺎ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻣﻦ ﻧﻮﻉ: "ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﻌﻠﻢ"، ﻷﻧﻪ، ﻣﻬﻤﺎ ﻋَﻼ ﺷﺄﻥ ﺍﻟﻘﺎﺋﻠﻴﻦ ﻋﻠﻤﻴًﺎ، ﻓﻼ ﺷﻚَّ ﺃﻧﻨﺎ ﻭﺍﺟﺪﻭﻥ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺭﻓﻴﻌﻲ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﺃﻳﻀًﺎ ﻳﺬﻫﺒﻮﻥ ﻣﺬﺍﻫﺐ ﺃُﺧﺮﻯ، ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺃﻭ ﺣﺘﻰ ﻣﻀﺎﺩَّﺓ ﻟﺰﻣﻼﺋﻬﻢ، ﺧﺼﻮﺻًﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺍﻷﻣﺮ ﻻ ﺑﺎﻟﻤﻌﺎﺭﻑ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﺑﻞ ﺑﺎﻵﺭﺍﺀ ﻭﺍﻟﻤﻮﺍﻗﻒ ﻭﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﻟﺘﻲ ﻳَﻌْﺰﻭﻫﺎ ﺃﺻﺤﺎﺑﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻠﻢ. ﻭﺍﻟﻤﻼﺣﻈﺔ ﻋﻴﻨﻬﺎ ﺗﻨﻄﺒﻖ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﻳﻦ.
ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﺍﻟﻮﻫﻢ ﺑﺄﻧﻪ ﻣﻌﻠﻮﻣﺔ ﺃﻭ ﻓﻜﺮﺓ ﻣﺨﻄﺌﺔ ﻳﻌﺘﻨﻘﻬﺎ ﻓﺮﺩ ﺃﻭ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺃﻓﺮﺍﺩ ﺍﻗﺘﻨﺎﻋًﺎ ﺑﻬﺎ ﺃﻭ ﺑﻮﺍﺣﺪ ﺃﻭ ﺁﺧﺮ ﻣﻦ ﻣﻌﺘﻨﻘﻴﻬﺎ، ﻭﻳﻘﻴﻤﻮﻥ ﻣﻮﺍﻗﻔﻬﻢ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ. ﻭﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﻮﻫﻢ ﺃﺻﻴﻼً ﻻ ﺗﺎﺑﻌًﺎ، ﻓﺄﺧﻄﺎﺅﻩ ﺗﺄﺗﻲ ﻋﻤﻮﻣًﺎ ﻣﻦ ﻋﻮﺍﻣﻞ ﻣﺜﻞ ﻋﺪﻡ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻣﻮﺿﻮﻋﻪ ﺃﻭ ﻧﻄﺎﻕ ﻋﻤﻠﻪ، ﻭﺍﻗﺘﺼﺎﺭﻩ ﻋﻠﻰ ﺷﻮﺍﻫﺪ ﻣﺤﺪﻭﺩﺓ، ﻭﺧﻠﻞ ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺃﻭ ﺃُﺧﺮﻯ ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻻﺳﺘﻨﺘﺎﺝ. ﻭﻣﻦ ﺃﺑﺮﺯ ﺍﻷﻣﺜﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻭﻫﺎﻡ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﻭﺍﺳﻌﺔ ﺍﻻﻧﺘﺸﺎﺭ ﺗﺤﺘﻞُّ ﺣﻴِّﺰًﺍ ﻛﺒﻴﺮًﺍ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ، ﻫﻲ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﺘﺤﻴُّﺰ ﺃﻭ ﺍﻻﻧﺤﻴﺎﺯ[4]
prejudice، ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﻨﺠﻮ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﻣﻨﻬﺎ، ﻭﺑﻴﻨﻬﻢ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﻧﻔﺲ ﻭﻋﻠﻤﺎﺀ ﺍﺟﺘﻤﺎﻉ ﻳﺤﺎﻭﻝ ﻛﻞ ﻧَﻔَﺮ ﻣﻨﻬﻢ ﻧَﻔﻲ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﺃﻭ ﺍﻻﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺔ ﻋﻦ ﻣﻨﻬﺠﻴﺔ ﺍﻟﻔﺮﻳﻖ ﺍﻵﺧﺮ ﻭﺧَﻔْﻀﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻣﻨﻬﺠﻴﺘﻪ ﻫﻮ.
ﻭﺇﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬﻩ ﺣﺎﻝ ﺍﻷﺻﻴﻠﻴﻦ ﻣﻦ ﺫﻭﻱ ﺍﻷﻭﻫﺎﻡ، ﻓﻜﻴﻒ ﺑﺎﻟﺘﺎﺑﻌﻴﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﻔﻜِّﺮﻭﻥ ﺑﻞ ﻳﻠﺘﻘﻄﻮﻥ ﺍﻟﻔﺘﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﻨﺎﺛﺮ ﻣﻦ ﻣﻮﺍﺋﺪ ﺍﻟﻤﻔﻜﺮﻳﻦ، ﺛﻢ ﻳَﺘَّﺨﺬﻭﻥ ﺩَﻭﺭ ﺍﻷﻧﺼﺎﺭ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﺤﻤِّﺴﻴﻦ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﺸﺠِّﻌﻴﻦ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﺤﺮِّﺿﻴﻦ، ﻭﻫﻢ، ﻓﻲ ﺃﻱِّ ﺣﺎﻝ، ﺃﺧﺼﺐ ﺍﻷﺭﺣﺎﻡ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻨﺎﺳﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻷﻭﻫﺎﻡ. ﻭﺍﻟﺤﻖّ ﺃﻥ ﺻﺎﻧﻌﻲ ﺍﻷﻭﻫﺎﻡ ﻣﻦ ﺻﻔﻮﻑ ﺃُﻭﻟﺌﻚ ﻭﻫﺆﻻﺀ، ﻣﻦ ﻣﻌﺮﻭﻓﻲ ﺍﻟﻬﻮﻳَّﺔ ﻭﻣﺠﻬﻮﻟﻲ ﺍﻟﻬﻮﻳَّﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻮﺍﺀ، ﻫﻢ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻮﻥ ﻋﻦ ﺗﺤﻮﻳﻞ ﺍﻟﻌﻠﻢ – ﻭﻫﻮ، ﺑﻄﺒﻴﻌﺘﻪ، ﺛﺎﺋﺮ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺻﻨﻮﻑ ﺍﻷﻭﺛﺎﻥ – ﻭﺛﻨًﺎ ﻣﻌﺒﻮﺩًﺍ، ﻭﺟَﻌْﻞ ﺍﻟﺪﻳﻦ – ﻭﻫﻮ ﺃﺭﺣﺐ ﻣﺠﺎﻝ ﻟﻠﺨﻴﺎﻝ ﺍﻟﺨﻼَّﻕ – ﺃﻓﻴﻮﻧًﺎ ﻟﻠﺸﻌﻮﺏ.
ﻛﺜﻴﺮﺓٌ ﻫﻲ ﺃﻭﻫﺎﻡ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺃﻭﻫﺎﻡ ﺍﻟﺪﻳﻦ. ﻟﻜﻨﻬﺎ، ﻛﻤﺎ ﻗﻠﺖ، ﻻ ﺗُﻠﺰِﻡ ﻣﺠﻤﻞ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﻻ ﻣﺠﻤﻞ ﺍﻟﺪﻳﻦ. ﻭﺳﻮﻑ ﺃَﻗﺼﺮ ﻛﻼﻣﻲ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻤﺎ ﺃﺭﺍﻩ ﺃﺑﺮﺯﻫﺎ، ﺑﺪﺀًﺍ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ.
*ﺃﻭﻫﺎﻡ ﺍﻟﻌﻠﻢ*
*1. ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻣﺼﺪﺭ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﻑ ﻭﺍﻟﻤﻮﺍﻗﻒ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ*
ﻟﻌﻞَّ ﺃﺧﻄﺮ ﺃﻭﻫﺎﻡ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺫﻟﻚ ﺍﻻﻋﺘﻘﺎﺩ ﺍﻟﻮﺍﺳﻊ ﺍﻻﻧﺘﺸﺎﺭ ﺍﻟﻘﺎﺋﻞ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﻫﻲ ﺍﻟﻤﺼﺪﺭ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ﻟﻠﻤﻌﺎﺭﻑ ﻭﺍﻟﻤﻮﺍﻗﻒ ﻭﺍﻟﻘﻴﻢ. ﻭﻗﺪ ﻋَﺒَّﺮ ﺳﻴﻐﻤﻮﻧﺪ ﻓﺮﻭﻳﺪ (1856 – 1939) ﺗﻌﺒﻴﺮًﺍ ﺑﻠﻴﻐًﺎ ﻋﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻈﺮﺓ ﺑﻘﻮﻟﻪ: "ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻟﻴﺲ ﻭﻫﻤًﺎ. ﻟﻜﻦ ﺍﻟﻮﻫﻢ ﻫﻮ ﺍﻻﻋﺘﻘﺎﺩ ﺃﻥَّ ﻓﻲ ﺇﻣﻜﺎﻧﻨﺎ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﻣﻜﺎﻥ ﻋﻦ ﻏﻴﺮ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻌﻠﻢ"[5]
. ﻭﻭَﺟﺪ ﺑﺮﺗﺮﺍﻧﺪ ﺭﺻﻞ (1872 – 1970) ﺃﻥَّ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻗﺪ ﻻ ﻳﺤﻘﻖ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ، ﻟﻜﻦْ ﻻ ﺃﺳﺎﺱ ﻟﻸﻣﻞ ﺇﻻ ﺑﻤﺎ ﻳﻌﻄﻴﻨﺎ ﺇﻳﺎﻩ ﺇﺫﺍ ﻧﺤﻦ ﺷﺌﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺤﻴﺎ ﺑﺪﻭﻥ ﺍﻟﺴﻨَﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﺴﺘﻤﺪُّﻩ ﻣﻦ "ﺍﻟﺤﻜﺎﻳﺎﺕ ﺍﻟﻮﻫﻤﻴﺔ ﺍﻟﻤﻌﺰِّﻳﺔ"[6]
ﺍﻵﺗﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻳﻦ. ﻭﺇﺫْ ﺭﺃﻯ ﺃﻥَّ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺴﻤَّﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻳﻨﺘﻤﻲ ﺣﺼﺮًﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ، ﺃﻗﺎﻡ ﺭﺻﻞ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻠﻢ، ﻣﺤﺪِّﺩًﺍ ﻭﻇﻴﻔﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺗﻌﻠﻴﻤﻨﺎ "ﻛﻴﻒ ﻧﺤﻴﺎ ﺑﻼ ﻳﻘﻴﻦ، ﻟﻜﻦْ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﻳُﻘﻌِﺪﻧﺎ ﺍﻟﺘﺮﺩﺩ"[7]
.
ﺍﻟﻮﻫﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻘﻮﻡ ﻋﻠﻴﻪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻈﺮﺓ ﻫﻮ ﺣَﺼْﺮ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺿﻤﻦ ﻧﻄﺎﻕ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻭﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﻣﻊ ﺇﺿﺎﻓﺔ ﺍﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺎﺕ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻛﺠﺰﺀ ﻣﻨﻄﻘﻲ ﺃﻭ ﻣﻨﻬﺠﻲ ﻻ ﻳﺘﺠﺰﺃ ﻣﻨﻬﺎ. ﻟﻜﻦ ﻣﺎﺫﺍ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﻑ ﺍﻷُﺧﺮﻯ، ﺧﺼﻮﺻًﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺎﺕ، ﺍﻟﺘﻲ ﺗَﻨﺪﺭﺝ ﺗﺤﺘﻬﺎ ﻗﻄﺎﻋﺎﺕ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﺃﻭ ﺣﻀﺎﺭﻳﺔ ﻭﺍﺳﻌﺔ، ﻛﺎﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻭﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻭﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺍﻷﺩﺏ ﻭﺍﻟﺸﻌﺮ ﻭﺍﻟﻔﻦِّ؟ ﻭﻫﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻨﻈﺮﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ، ﻣﺜﻼً، ﺍﻟﺘﻲ ﻧﻘﻊ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﺸﺎﻃﺎﺕ ﻫﻲ ﺧﺎﺭﺝ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ، ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪﺓ ﺍﻟﻤﻤﻜﻨﺔ ﻋﻦ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺗﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﻓﻘﻂ؟ ﻫﻞ ﺻﺤﻴﺢ ﺃﻥ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪﺓ ﻋﻦ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻫﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻵﺗﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ؟ ﻭﻣﺎﺫﺍ ﻋﻦ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺎﺕ، ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ، ﻭﻧﻘﻊ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻊ ﻓﻼﺳﻔﺔ ﻭﺃﻧﺒﻴﺎﺀ ﻭﺷﻌﺮﺍﺀ ﻭﺭﻭﺍﺋﻴﻴﻦ ﻭﻣﺴﺮﺣﻴﻴﻦ؟ ﺃﻻ ﺗُﻌَﺪُّ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎﺕ ﺃﻭ ﻣﻌﺎﺭﻑ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺍﻟﻜﻮﻥ ﻭﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺎﺕ ﺍﻟﺮﺍﺋﻌﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻐﻮﺹ ﻓﻲ ﺃﻋﻤﺎﻕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻟﺘﻌﻮﺩ ﻣﻨﻬﺎ ﺑِﺼُﻮَﺭ ﻏﻨﻴﺔ ﻣﻦ ﻳﺄﺱٍ ﻭﺭﺟﺎﺀ، ﻣﻦ ﺑﺆﺱ ﻭﻫﻨﺎﺀ، ﻣﻦ ﻇﻠﻤﺔ ﻭﺿﻴﺎﺀ، ﻣﻦ ﺍﻧﻜﺴﺎﺭ ﻭﻣَﻀﺎﺀ؟ ﺣﻘًّﺎ ﺇﻥَّ ﻣﺎ ﻧﺘﻌﻠﻤﻪ ﻣﻦ ﻣﻠﺤﻤﺔ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ، ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺸﻔﻬﺎ ﻣﺒﺪﻋﻮﻥ ﺭﺍﺅﻭﻥ ﻣﺜﻞ ﺳﻮﻓﻮﻛﻠﻴﺲ ﻭﺃﻓﻼﻃﻮﻥ ﻭﺩﺍﻭﺩ ﻭﺃﻳﻮﺏ ﻭﺑﻮﻟﺲ ﻭﻣﺤﻤَّﺪ ﻭﻛﺒﺎﺭ ﺍﻟﺼﻮﻓﻴِّﻴﻦ ﻭﺍﻟﻤﻌﺮِّﻱ ﻭﺩﺍﻧﺘﻲ ﻭﺷﻜﺴﺒﻴﺮ ﻭﺩﻭﺳﺘﻮﻳﻔﺴﻜﻲ ﻭﺗﻮﻟﺴﺘﻮﻱ ﻭﻛﺎﻣﻮ ﻭﺇﻟﻴﻮﺕ، ﻳﺘﺠﺎﻭﺯ ﻣﺎ ﺗﻌﻠِّﻤﻨﺎ ﺇﻳﺎﻩ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﻋﻦ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ.
ﻭﻟﺌﻦ ﺳَﻠَّﻤﻨﺎ ﺑﺄﻥَّ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﻫﻲ ﺍﻟﻤﺼﺪﺭ ﺍﻷﻭﻝ ﻟﻠﻤﻌﺎﺭﻑ، ﻓﺈﻥَّ ﺍﻟﻤﻮﺍﻗﻒ ﻭﺍﻟﻘﻴﻢ ﻻ ﺗﺄﺗﻲ ﻣﻨﻬﺎ، ﺑﻞ ﺗﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﺣﻘﻮﻝ ﻛﺎﻟﺪﻳﻦ ﻭﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ. ﺫﻟﻚ ﺃﻥَّ ﺍﻟﻤﻮﺍﻗﻒ ﻭﺍﻟﻘﻴﻢ ﺗﻨﺘﻤﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺧﻼﻕ. ﻭﺍﻷﺧﻼﻕ ﻣﻌﻨﻴﺔ ﺑﻤﺎ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ، ﻓﻴﻤﺎ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻣﻌﻨﻲٌّ ﺑﻤﺎ ﻫﻮ ﻛﺎﺋﻦ. ﻭﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﺒﺘﺔ ﺇﻗﺎﻣﺔ ﺍﻷﺧﻼﻕ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻠﻢ، ﺇﺫ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﺳﺘﻨﺘﺎﺝ ﻣﺎ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻤﺎ ﻫﻮ ﻛﺎﺋﻦ. ﻓﺎﻟﻌﻠﻮﻡ ﺣﻴﺎﺩﻳﺔ ﺧُﻠﻘﻴًّﺎ ﺃﻭ ﻗﻴﻤﻴًّﺎ، ﻭﻓﻲ ﺍﺳﺘﻄﺎﻋﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺗﺴﺨﻴﺮ ﻧﺘﺎﺋﺠﻬﺎ ﻟﻠﻬﺪﻡ ﻛﻤﺎ ﻟﻠﺒﻨﺎﺀ. ﻭﺇﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﻫﻲ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﺍﻟﻤﺤﻮﺭﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺪﻭﺭ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻌﻈﻢ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻷﺧﻼﻗﻲ، ﻓﺎﻟﺴﻌﺎﺩﺓ، ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻣﺎﻫﻴَّﺘﻬﺎ ﻭﺿﺮﻭﺭﺗﻬﺎ ﻭﺗﺒﺮﻳﺮﻫﺎ، ﻟﻴﺴﺖ ﺷﺄﻧًﺎ ﻋﻠﻤﻴًﺎ. ﺻﺤﻴﺢٌ ﺃﻥَّ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺗﻌﻴﻦ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺗﻘﺮﻳﺮ ﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻨﺎﻝ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ، ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻻ ﺗﺰﻭِّﺩﻩ ﺑﺄﻱِّ ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ، ﻣﻨﻄﻘﻴﺔ ﺃﻭ ﻭﺟﻮﺩﻳﺔ، ﻟﻠﺪﻓﺎﻉ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ. ﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎﻥ ﻣﻮﻗﻒ ﻓﺮﺩﺭﻳﻚ ﻧﻴﺘﺸﻪ (1844 – 1900) ﺃﺻَﺢَّ ﻣﻦ ﻣﻮﻗﻒ ﺭﺻﻞ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ، ﺇﺫْ ﻭَﺟﺪ ﺑﺪﻳﻼً ﻟﻠﺪﻳﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﺭﻓﻀﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻻ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ[8]
. ﻓﺎﻟﻤﻄﻠﻮﺏ ﻫﻨﺎ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﺭﺅﻳﺎ ﻭﺗﺒﺮﻳﺮ ﺑﻤﺎ ﻳﺨﺺ ﺍﻷﻫﺪﺍﻑ، ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻭﺳﺎﺋﻞ. ﻭﺑﺪﻭﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺅﻳﺎ ﺍﻟﻨﺒﻴﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺄﺗﻲ ﻻ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺑﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻳﻦ (ﺃﻭ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ)، ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺴﻲﺀ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻀﻌﻬﺎ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺗﺤﺖ ﺗَﺼﺮُّﻓﻪ، ﻓﻴﺠﻌﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﻟﻠﺪﻣﺎﺭ، ﺃﻱ ﻟﻤﺎ ﻫﻮ ﻧﻘﻴﺾ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ، ﻻ ﻟﻠﺒﻨﺎﺀ.
*2. ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﺍﻵﻟﻲ ﻟﻠﻮﺟﻮﺩ ﻳﻨﻔﻲ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﻐﺎﺋﻴَّﺔ*
ﺍﻟﻮﻫﻢ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺳﺄﺗﻜﻠﻢ ﻋﻨﻪ ﻣﻦ ﺃﻭﻫﺎﻡ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺇﻟﻴﻪ ﻛﺘﻔﺼﻴﻞٍ ﻟﻠﻮﻫﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻋﺮﺿﻨﺎﻩ. ﻫﺬﺍ ﻳﺬﻫﺐ ﺇﻟﻰ ﺃﻥَّ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﺍﻵﻟﻲَّ ﻟﻠﻮﺟﻮﺩ ﻫﻮ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﻤﻤﻜﻦ ﻋﻘﻠﻴًّﺎ، ﻭﺃﻥ ﻛﻞ ﻧﻈﺮﺓ ﻏﺎﺋﻴَّﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻫﻲ ﻧﻈﺮﺓ ﻏﻴﺮ ﺻﺤﻴﺤﺔ ﻷﻥ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻻ ﺗﺆﺩﻱ ﺇﻟﻴﻬﺎ.
ﻟﻠﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﻫﻢ ﺿﻤﻦ ﺇﻃﺎﺭﻩ، ﻻ ﺑﺪَّ ﻣﻦ ﺍﺳﺘﺬﻛﺎﺭ ﺍﻟﺜﻮﺭﺍﺕ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﺍﻟﻤﺘﺘﺎﻟﻴﺔ ﻣﻨﺬ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﺴﺎﺩﺱ ﻋﺸﺮ[9]
، ﺑﺪﺀًﺍ ﺑﺎﻟﻔﻠﻜﻲ ﺍﻟﺒﻮﻟﻮﻧﻲ ﻛﻮﺑﺮﻧﻴﻜﻮﺱ (1473 – 1543) ﺍﻟﺬﻱ ﺑﺮﻫﻦ ﺑﺎﻟﺪﻟﻴﻞ ﺍﻻﺧﺘﺒﺎﺭﻱ ﺃﻥَّ ﺍﻷﺭﺽ ﺗﺪﻭﺭ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﺸﻤﺲ، ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻻﻋﺘﻘﺎﺩ ﺍﻟﻤﺆﻳَّﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻭﺍﺋﺮ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺃﻥ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺗﺪﻭﺭ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺒﺪﻭ ﻫﻜﺬﺍ ﻟﻠﻌﻴﺎﻥ، ﻭﺃﻥ ﺍﻷﺭﺽ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻓﻲ ﻭﺳﻂ ﺍﻟﻜﻮﻥ. ﻭﺗﻼﻩ ﺍﻟﻔﻠﻜﻲ ﺍﻻﻳﻄﺎﻟﻲ ﻛﺒﻠﺮ (1571 – 1630) ﻟﻴﺆﻳِّﺪ ﺍﺳﺘﻨﺘﺎﺟﻪ ﻟﺠﻬﺔ ﺩَﻭَﺭﺍﻥ ﺍﻷﺭﺽ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻭﻟﻴﺜﺒِﺖ، ﺑﻮﺍﺳﻄﺔ ﺍﻟﺘﻠﺴﻜﻮﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺑﺘﻜﺮﻩ، ﺃﻥ ﺍﻟﻘﻤﺮ ﻟﻴﺲ ﺟﺴﻤًﺎ ﻛﺮﻭﻳًﺎ ﺗﺎﻣًﺎ، ﻟﻜﻨﻪ ﻣﻠﻲﺀ ﺑﺎﻟﺠﺒﺎﻝ ﻭﺍﻷﻭﺩﻳﺔ. ﻭﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺳﺎﺩ ﺍﻷﻭﺳﺎﻁَ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻃﻮﻳﻼً ﺍﻻﻋﺘﻘﺎﺩُ ﺍﻟﻘﺎﺋﻞ ﺑﺄﻥ ﺍﻷﺟﺮﺍﻡ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﻳﺔ ﻣﺤﻤﻮﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﺟﻨﺤﺔ ﻣﻼﺋﻜﺔ، ﺭﻓﺾ ﺍﻟﻔﻴﺰﻳﺎﺋﻲ ﺍﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻱ ﺇﺳﺤﻖ ﻧﻴﻮﺗﻦ (1642 – 1727) ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﻭﺃَﺣﺪﺙَ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﺠﺎﺫﺑﻴﺔ. ﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎﻥ ﻳﺄﺗﻲ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺸﻬﺪ ﻛﻠﻤﺎ ﻻﺣﻆ ﺷﺬﻭﺫًﺍ ﻓﻲ ﺣﺮﻛﺔ ﺍﻷﺟﺮﺍﻡ ﻋﻦ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺠﺎﺫﺑﻴﺔ – ﻻ ﻟﻴﺒﺮﻫﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻠﻪ، ﺇﺫْ ﻛﺎﻥ ﻣﺆﻣﻨًﺎ ﺑﻪ، ﻟﻜﻦ ﻟﻴﻔﺴﺮ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﺬﻭﺫ. ﻭﻣﺎ ﻟﺒﺚ ﺍﻟﻔﻠﻜﻲ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﻻﺑﻼﺱ (1749 – 1827) ﺃﻥ ﺑَﻴَّﻦ ﺷﻤﻮﻝ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺠﺎﺫﺑﻴﺔ ﺑﺈﻇﻬﺎﺭﻩ ﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺮﻛﺎﺕ ﻟﻴﺴﺖ ﺷﺎﺫﺓ ﺣﻘًﺎ، ﻻ ﺑﻞ ﻫﻲ ﺿﺮﻭﺭﻳﺔ ﻟﺤﺴْﻦ ﺳَﻴﺮ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ. ﻭﻳُﺮﻭﻯ ﺃﻥ ﺍﻻﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭ ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮﻥ ﺳﺄﻝ ﻻﺑﻼﺱ ﻋﻦ ﺳﺒﺐ ﺇﺑﻘﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﺧﺎﺭﺝ ﻧﻈﺎﻣﻪ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ، ﻓﺄﺟﺎﺏ – ﻭﻫﻮ ﻣﺆﻣﻦ ﺃﻳﻀًﺎ – ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻔﺮﺿﻴﺔ ﻟﺮﻓْﻀﻪ ﺇﺩﺧﺎﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺇﻟﻰ ﻧﻈﺮﺗﻪ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻛﺈﻟﻪ ﺛﻐﺮﺍﺕ ﺃﻭ ﺇﻟﻪ ﻓﺠﻮﺍﺕ، ﺣﺘﻰ ﺇﺫﺍ ﺳُﺪَّﺕ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺜﻐﺮﺍﺕ ﺍﻧﺘﻔﺖ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻴﻪ.
ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﺟَﻌﻠﺖ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻳﺴﺘﻨﺘﺠﻮﻥ ﺃﻥ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻧﻈﺎﻡ ﻗﺎﺋﻢ ﻓﻲ ﺫﺍﺗﻪ، ﻳﻌﻤﻞ ﻭﻓﻖ ﺳﺒﺒﻴَّﺔ ﺁﻟﻴَّﺔ ﻻ ﻣﻜﺎﻥ ﻟﻠﻐﺎﻳﺎﺕ ﻓﻴﻬﺎ. ﻭﺻﺎﺭﺕ ﺍﻟﻼﻏﺎﺋﻴَّﺔ ﻣﻦ ﻣﺮﺍﺩﻓﺎﺕ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ، ﻭﺍﻣﺘَﺪَّﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﺴﻠﻮﻛﻴﺔ ﻟﺘَﻜﺘﺴﺐ ﺍﺳﻢ "ﺍﻟﺤﺘﻤﻴَّﺔ" determinism. ﻟﻜﻦ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻐﺎﺋﻴَّﺔ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺧﺎﺭﺝ ﺣﺪﻭﺩ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ، ﻓﻬﺬﺍ ﻻ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻧﻬﺎ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺧﺎﺭﺝ ﺣﺪﻭﺩ ﺍﻟﻌﻘﻞ. ﺗﻔﺴﻴﺮﻧﺎ ﻟﻜﺴﻮﻑ ﺍﻟﺸﻤﺲ، ﻣﺜﻼً، ﻻ ﻳﺘﻢُّ ﺑﻘﻮﻟﻨﺎ ﺇﻥ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺷﺎﺀﺕ ﻫﺬﺍ. ﻟﻜﻦ ﺗﻔﺴﻴﺮﻧﺎ ﻟﻔﻌﻞ ﺇﻧﺴﺎﻧﻲ ﻻ ﻳﺤﺼﻞ ﺇﻻ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﺳﺎﺱ. ﺣﺘﻰ ﻋﻠﻰ ﺻﻌﻴﺪ ﺍﻷﺣﺪﺍﺙ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻌﺎﻗﻠﺔ، ﺣﻴﺚ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻛﺂﻟﺔ ﺿﺨﻤﺔ ﺗﺆﻟِّﻔﻬﺎ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻵﻻﺕ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ، ﻣﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﻨﻊ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻵﻟﻲ ﺍﻟﺒﺪﻳﻊ ﻛﻠُّﻪ ﺧَﻠْﻖَ ﺍﻟﻠﻪ، ﻭﻛﻠﻪ ﻣﺨﻠﻮﻗًﺎ ﻟﻬﺪﻑ؟
*ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻱ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﻱ ﺷﻲﺀ ﻓﻲ ﻓﻴﺰﻳﺎﺀ ﻧﻴﻮﺗﻦ ﺃﺩَّﻯ ﺇﻟﻰ ﺍﻧﻬﻴﺎﺭ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ. ﻟﻜﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻓﺘﺮﺽ ﺫﻟﻚ. ﻭﻻ ﺷﻲﺀ ﻓﻲ ﻓﻴﺰﻳﺎﺀ ﻧﻴﻮﺗﻦ ﻳﻤﻨﻊ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﻬﺪﻑ ﻛﻮﻧﻲ. ﻟﻜﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻓﺘﺮﺽ ﺃﻧﻪ ﻳﻔﻌﻞ... ﻭﻛﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻻﻻﺕ ﺍﻟﻀﻤﻨﻴﺔ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﺩﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﺸﻮﺵ ﻣﻨﻄﻘﻲ ﻣﺨﻄﺊ[10]
.*
ﺻﺤﻴﺢ ﺃﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﺴﺘﺪﻋﻲ ﺍﻷﻫﺪﺍﻑ ﺇﺫﺍ ﺃﺭﺩﻧﺎ ﺍﻟﻌﺜﻮﺭ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﻤﺒﺎﺷﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﻌﻴﺪ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻲ. ﻓﺘﻔﺴﻴﺮﻧﺎ ﻛﺴﻮﻑ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻻ ﻳﺤﺼﻞ ﺑﻘﻮﻟﻨﺎ ﺇﻥ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺷﺎﺀﺕ ﺃﻥ ﺗﺤﺘﺠﺐ ﻋﻨﺎ، ﻭﻫﻮ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﻏﺎﺋﻲ ﻏﻴﺮ ﺻﺤﻴﺢ، ﻭﻻ ﺣﺘﻰ ﺑﺎﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﻐﺎﺋﻲ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ ﺩﻳﻨﻴًﺎ ﻭﺍﻟﻘﺎﺋﻞ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺟﻌﻞ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﺗﺘﺤﺮﻙ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﺤﻮ ﻣﻦ ﺿﻤﻦ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻛﻜﻞ. ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﻻ ﻳﺘﻴﺢ ﻟﻨﺎ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺍﻟﻌﻮﺍﻣﻞ ﺃﻭ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺩَّﺕ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪﺙ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﺃﻭ ﺫﺍﻙ، ﻭﻻ ﻳﺘﻴﺢ ﻟﻨﺎ ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺍﻟﺘﺤﻜﻢ ﺑِﺴَﻴﺮ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﺫﻟﻚ ﻣﻤﻜﻨًﺎ ﻭﻭﺍﺟﺒًﺎ. ﺇﻻ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮﻳﻦ ﺍﻵﻟﻲ ﻭﺍﻟﻐﺎﺋﻲ ﻻ ﻳﺘﻌﺎﺭﺿﺎﻥ:
*ﺃﻥْ ﺗﻜﻮﻥ ﺣﺮﻛﺎﺕ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺘﻔﺴﻴﺮ ﺑﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻨﺎﺑﺾ ﻓﻴﻬﺎ ﻻ ﻳﺒﺪِّﻝ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺻﻨﻊ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ ﻟﻐﺎﻳﺔ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻮﻗﺖ. ﻫﻜﺬﺍ ﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺁﻟﺔ، ﻟﻜﻦْ ﻻ ﻳﺘﺒﻊ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺃﻧﻪ ﻳﻔﺘﻘﺮ ﺇﻟﻰ ﻏﺎﻳﺔ[11]
.*
ﻭﻟﺌﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺗﻜﺘﻔﻲ ﺑﺎﻷﺳﺒﺎﺏ ﺍﻵﻟﻴﺔ ﻭﻻ ﺗﺘﻄﺮﻕ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﻐﺎﺋﻴﺔ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﻘﻊ ﺧﺎﺭﺝ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻭﺃﻫﺪﺍﻑ ﺍﻟﻌﻠﻢ، ﻓﻬﻲ ﺗﻜﺘﻔﻲ ﺑﺪﺭﺍﺳﺔ ﺟﺎﻧﺐ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻭﻣﻦ ﺍﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ، ﻟﻌﻠَّﻪ ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ ﺍﻷﺻﻐﺮ. ﺇﻥَّ ﺟﺎﻧﺒًﺎ ﺻﻐﻴﺮًﺍ ﺟﺪًﺍ ﻣﻦ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﺍﻟﺤﺐ، ﻣﺜﻼً، ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻔﺴﻴﺮﻩ ﺑﺒﻌﺾ ﺍﻟﻌﻮﺍﻣﻞ ﺍﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ، ﻛﺴﺮﻋﺔ ﺇﻓﺮﺍﺯ ﻣﺎﺩﺓ ﺍﻷﺩﺭﻳﻨﺎﻟﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻡ. ﻭﻳﺒﻘﻰ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﺷﻴﺌًﺎ ﺁﺧﺮ. ﺇﻻ ﺃﻥ ﺍﻟﻔﻠﻜﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﻓﻊ ﻋﻴﻨﻴﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﻠﺴﻜﻮﺏ ﻟﻴﻘﻮﻝ ﺇﻧﻪ ﺃﻧﻌﻢ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻀﺎﺀ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﻳﺠﺪ ﺍﻟﻠﻪ، ﻭﺍﻟﻌﺎﻟِﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﻓﻊ ﻋﻴﻨﻴﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺠﻬﺮ ﻟﻴﻘﻮﻝ ﺇﻧﻪ ﻓﺤﺺ ﺍﻟﺪﻣﺎﻍ ﺟﻴﺪًﺍ ﻭﻟﻢ ﻳﻌﺜﺮ ﻋﻠﻰ ﺃﺛﺮ ﻟﻠﺤﺐ، ﻣﺼﻴﺒﺎﻥ[12]
. ﻓﻬﻤﺎ ﻳﻨﻈﺮﺍﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﻣﻦ ﺯﺍﻭﻳﺔ ﺍﻟﻤﺮﺍﻗﺒﺔ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ. ﻟﻜﻦ ﻳﺒﻘﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺍﻟﺤﺐ ﻋﻨﺼﺮﺍﻥ ﺃﺳﺎﺳﻴﺎﻥ ﻣﻦ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﺍﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ، ﺇﺿﺎﻓﺔً ﺇﻟﻰ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ، ﻛﺎﻟﺮﺟﺎﺀ ﻭﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﺨﻴﺒﺔ ﻭﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ. ﻓﻼ ﻳﺠﻮﺯ ﺃﻥ ﻧﺤﻴﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔ "ﺍﻟﺤﻜﺎﻳﺎﺕ ﺍﻟﻮﻫﻤﻴَّﺔ ﺍﻟﻤﻌﺰِّﻳﺔ" (ﺣﺴﺐ ﻭﺻﻒ ﺑﺮﺗﺮﺍﻧﺪ ﺭﺻﻞ) ﻷﻥ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺗﺒﻨَّﻰ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺳﺎﺑﻘﺔ ﻟﻠﺘﺠﺮﺑﺔ، ﻭﺇﻥْ ﻋَﻤَّﺪَﻫﺎ ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﺘﺠﺮﻳﺒﻴﺔ، ﻻ ﺗُﺪﺧِﻞ ﺇﻟﻰ ﻧﻄﺎﻕ ﺍﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﺇﻻ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﺧﺎﺿﻌًﺎ ﻟﻠﻤﺮﺍﻗﺒﺔ ﺍﻟﺤﺴﻴﺔ، ﻋﻠﻤًﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﺠﺰﺀ ﺍﻷﻛﺒﺮ ﻭﺍﻷﻫﻢ ﻣﻦ ﺗﺠﺮﺑﺘﻨﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻻ ﻳﺨﻀﻊ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﺍﻗﺒﺔ. ﻭﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ "ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﺠﺪ ﺍﺳﺘﻤﺘﺎﻋًﺎ ﻓﺮﺩﻳًﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ، ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﺠﺪ ﻫﺪﻓًﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ، ﻭﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺠﺪﻩ ﻻ ﻳﺘﻌﺪَّﻯ ﻗﻮﺍﻋﺪ ﺍﻟﺘﻌﺎﻗﺐ"، ﻓﻬﺬﺍ "ﻷﻥ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻳﻘﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﻧﺼﻒ ﺍﻟﺸﻮﺍﻫﺪ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﺪﻣﻬﺎ ﺍﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ"[13]
.
*3. ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻳُﺒﻄِﻞ ﺍﻟﺪﻳﻦ*
ﻫﺬﺍ ﻳﺤﻴﻠﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﻫﻢ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻣﻦ ﺃﻭﻫﺎﻡ ﺍﻟﻌﻠﻢ، ﻭﻫﻮ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻳُﺒْﻄِﻞ ﺍﻟﺪﻳﻦ. ﻓﺎﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﺪﻳﻦ، ﻓﻲ ﻧﻈﺮ ﻋﺪﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﻤﻔﻜﺮﻳﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺤﺘﻜﻤﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻠﻢ، ﻳﻨﺎﻗﺾ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﺍﻵﺧﺮ. ﻭﻳﺘﺎﺑﻊ ﻫﺆﻻﺀ ﺃﻥ ﻋﺼﺮﻧﺎ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻫﻮ ﻋﺼﺮ ﺍﻟﻌﻠﻢ، ﻭﻻ ﻣﺠﺎﻝ ﻓﻴﻪ ﻟﻠﺪﻳﻦ ﻭﻟﻺﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ. ﻭﻳﺮﺳﻤﻮﻥ ﺧﻄًﺎ ﻓﺎﺻﻼً ﻏﻴﺮ ﻗﺎﺑﻞ ﻟﻼﻧﻜﺴﺎﺭ، ﻳﺜﺒﺘﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻵﺧﺮ ﺍﻟﺪﻳﻦ. ﻭﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺼﻨﻔﻮﻧﻪ ﻛﺼﻔﺔ ﺇﻳﺠﺎﺑﻴﺔ ﻟﻠﻌﻠﻢ ﻳﻘﺎﺑﻠﻮﻧﻪ ﺑﺼﻔﺔ ﺳﻠﺒﻴﺔ ﻟﻠﺪﻳﻦ. ﻫﻜﺬﺍ ﻳﻀﻌﻮﻥ ﺗﺤﺖ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺻﻔﺎﺕ ﻛﺎﻟﺠﻬﻞ ﻭﺍﻟﺸﻚ ﻭﺍﻟﺨﺮﺍﻓﺔ ﻭﺍﻻﻧﻐﻼﻕ ﻭﺍﻟﺘﻌﺼﺐ، ﻭﺗﺤﺖ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺻﻔﺎﺕ ﻛﺎﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻭﺍﻟﻴﻘﻴﻦ ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻻﻧﻔﺘﺎﺡ ﻭﺍﻟﺘﺴﺎﻣﺢ. ﻓﺎﻟﻌﻠﻮﻡ ﻓﻲ ﻧﻈﺮﻫﻢ، ﺳﻮﺍﺀ ﺃﻛﺎﻧﺖ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﻛﺎﻟﻔﻴﺰﻳﺎﺀ ﻭﺍﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺀ ﻭﻋﻠﻢ ﺍﻟﻔﻠﻚ ﻭﻋﻠﻢ ﺍﻷﺣﻴﺎﺀ، ﺃﻡ ﺳﻠﻮﻛﻴﺔ ﻛﻌﻠﻢ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻭﻋﻠﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ، ﺗﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﻌﻴﺶ ﻓﻴﻪ ﺑﻬﺪﻑ ﺃﻥ ﻧﻌﺮﻓﻪ ﻭﻧﺴﻴﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺍﺳﺘﻄﻌﻨﺎ ﻣﻦ ﻣﺤﺪﻭﺩﻳﺎﺕ ﻭﺿﻌﻨﺎ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻭﻧﻮﺟِّﻪ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ ﻧﺤﻮ ﺍﻷﻓﻀﻞ. ﻭﺍﻟﺘﻘﺪﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺣﺮﺯﺗﻪ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﻣﻨﺬ ﺍﻟﻌﺼﻮﺭ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺇﻧﻤﺎ ﺗَﺤﻘﻖ، ﺣﺴﺐ ﺩﻋﺎﺓ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻈﺮﺓ، ﺑﻬﺠﺮ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺧﺮﺍﻓﺎﺗﻪ ﻭﻛﺸﻒ ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﺉ ﻭﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﺼﻞ ﺑﻤﻮﺟﺒﻬﺎ ﺍﻷﺣﺪﺍﺙ.
ﻭﺗﺰﺧﺮ ﺍﻟﻤﻜﺘﺒﺔ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﺑﻤﺆﻟﻔﺎﺕ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﺘﺤﺪﻳﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺮﻓﻌﻬﺎ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻓﻲ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺪﻳﻦ، ﻭﺃﺑﺮﺯﻫﺎ ﺍﻟﺘﺤﺪﻱ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻖ ﺑﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻠﻪ. ﻭﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ ﺻﺪﺭ ﺣﺪﻳﺜًﺎ ﻓﻲ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ ﺑﻌﻨﻮﺍﻥ "ﻭﻫﻢ ﺍﻟﻠﻪ"، ﻳﻀﻊ ﺍﻟﻤﺆﻟﻒ ﺭﻳﺘﺸﺎﺭﺩ ﺩﻭﻛﻴﻨﺰ، ﻭﻫﻮ ﺃُﺳﺘﺎﺫ ﺑﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻓﻲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺃُﻛﺴﻔﻮﺭﺩ، ﻣﻔﻬﻮﻡ "ﺍﻟﻠﻪ" ﻣﻊ ﺍﻟﻔَﺮَﺿﻴﺎﺕ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ[14]
، ﻭﻳﻜﺮﺱ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﻟﻠﺒﺮﻫﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻻ ﻳﺆﻳﺪ ﺻﺤﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﺮﺿﻴﺔ. ﻭﻳﺴﺘﻨﺘﺞ ﺃﻥ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻳﺮﺗﻜﺰ ﺇﻟﻰ ﻭﻫﻢ. ﻭﻛﺎﻥ، ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻤﻬﻴﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﻭﺿﻌﻪ ﻟﻜﺘﺎﺑﻪ، ﻋﺠﺐ ﻣﻦ ﺗﺴﻤﻴﺔ ﺍﻟﻮﻫﻢ ﺍﻟﻔﺮﺩﻱ "ﺟﻨﻮﻧًﺎ" ﻭﺍﻟﻮﻫﻢ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﻲ "ﺩﻳﻨًﺎ"، ﻣﻠﻤﺤًﺎ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﺪﻳﻦ، ﺃﻱ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﺎﻟﻠﻪ، ﺿﺮﺏ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻨﻮﻥ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﻲ[15]
.
ﻣﻦ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﺸﻘﺎﻕ ﺍﻟﻤﻔﺘﻌَﻞ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﻲ ﻟﻠﻨﺸﺎﻃﺎﺕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ، ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺗﺨﺬ ﺃﻭَّﻝ ﺷﻜﻞ ﻭﺍﺿﺢ ﻣﻊ ﺍﻟﻤﻔﻜﺮ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﺃُﻭﻏﺴﺖ ﻛﻮﻧﺖ (1795 – 1857). ﻓﻔﻲ ﻛﺘﺎﺑﺎﺗﻪ ﻋﻦ "ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻹﻳﺠﺎﺑﻴﺔ"، ﺷﺮﺡ ﻛﻮﻧﺖ ﻣﺎ ﺳﻤﺎﻩ "ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺤﺎﻻﺕ ﺍﻟﺜﻼﺙ"[16]
، ﻭﻫﻮ ﺃﻥ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ، ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻭﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ، ﻳﻤﺮ ﻓﻲ ﻣﺮﺍﺣﻞ ﺛﻼﺙ: ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻴﺔ، ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻴﺔ، ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻹﻳﺠﺎﺑﻴﺔ. ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻴﺔ ﺗﺄﺗﻲ ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺑﺪﺍﺋﻴﺔ. ﻭﻫﻲ ﻃﺮﻳﻘﺔ "ﺧﻴﺎﻟﻴﺔ"، ﺣﺴﺐ ﻭﺻﻒ ﻛﻮﻧﺖ، ﻳﺤﺎﻭﻝ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﻮﺍﺳﻄﺘﻬﺎ ﺃﻥ ﻳﻔﺴﺮ ﻛﻞ ﻇﻮﺍﻫﺮ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﺍﻟﻤﺒﺎﺷﺮﺓ ﻟﻜﺎﺋﻦ ﻓﻮﻕ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺃﻭ ﻛﺎﺋﻨﺎﺕ ﻋﺪَّﺓ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ. ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺗﺄﺗﻲ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻴﺔ، ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺤﺎﻭﻝ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﻮﺍﺳﻄﺘﻬﺎ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﻣﺼﺎﺩﺭ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﻭﻃﺒﺎﺋﻌﻬﺎ، ﻣﺴﺘﻌﻴﻀًﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﻌﺎﻟﻴﺔ ﺑﻤﺒﺎﺩﺉ ﻣﺠﺮﺩﺓ. ﻫﻨﺎ ﺗﺤﻞُّ ﻣﺜُﻞ ﺃﻓﻼﻃﻮﻥ، ﻣﺜَﻼً، ﻣﺤﻞ ﺁﻟﻬﺔ ﺍﻻﻏﺮﻳﻖ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ. ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻭﺍﻷﺧﻴﺮﺓ، ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻗﺪ ﺗﺮﻙ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﺍﻟﻤﺠﺮﺩﺓ ﻭﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺎﺕ، ﻭﻣﻨﻬﺎ ﺃﺻﻞ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻭﻣﺼﻴﺮﻩ، ﻟﻜﻲ ﻳﻨﺼﺮﻑ ﺇﻟﻰ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﺍﻟﺼﺎﺭﻣﺔ، ﺃﻱ ﻋﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﻤﺸﺎﺑﻬﺔ ﻭﺍﻟﺘﺘﺎﺑﻊ ﺑﻴﻦ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ. ﻣﺎ ﻳﻤﻴﺰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﻋﻦ ﺳﻮﺍﻫﺎ ﺃﻥ ﻛﻞ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮﺍﺕ ﻓﻴﻬﺎ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻼﺧﺘﺒﺎﺭ ﻷﻧﻬﺎ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻣﺮﺍﻗﺒﺔ. ﻭﻻ ﻣﻜﺎﻥ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻟﻠﺘﻔﺴﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﺴﺒﺒﻴﺔ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻴﺔ، ﻷﻧﻬﺎ ﺳﺎﺑﻘﺔ ﻟﻠﻌﻠﻢ. ﻭﺩﻋﺎ ﻛﻮﻧﺖ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺗﺼﻴﺮ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﺃﻭ ﺍﻹﻳﺠﺎﺑﻴﺔ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻛﻞ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ، ﻭﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺗﺤﻞ "ﻓﻴﺰﻳﺎﺀ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ" ﻣﺤﻞ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻖ، ﻓﺘﻐﺪﻭ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﻋﻠﻤﻴﺔ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ ﻭﺃﺩﺍﺓ ﻓﺎﻋﻠﺔ ﻟﻼﻧﺴﺠﺎﻡ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻭﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ.
ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻈﺮﺓ ﺗﺬﻫﺐ ﺑﻌﻴﺪًﺍ ﺟﺪًﺍ ﺇﺫْ ﻻ ﺗﻜﺘﻔﻲ ﺑﺈﺑﺮﺍﺯ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﻭﻭﻇﻴﻔﺘﻬﺎ، ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﻨﺎﺩﻱ ﺑﻤﺒﺪﺃ "ﺍﻟﻌﻠﻤﻴَّﺔ" ﺃﻭ "ﺍﻟﻌﻠﻤَﻮِﻳَّﺔ" ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺸﺎﻃﺎﺕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻣﻦ ﻣﻨﻈﺎﺭ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ، ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻳﻠﻐﻲ ﺧﺼﺎﺋﺼﻬﺎ ﺍﻟﻤﻤﻴﺰﺓ. ﻭﺇﺫﺍ ﺭﺍﺟﻌﻨﺎ ﺃﻭﻫﺎﻡ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﺜﻼﺛﺔ ﻛﻤﺎ ﻭﺻﻔﻨﺎﻫﺎ، ﻟﻮﺟﺪﻧﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺒﺪﺃ ﻓﻲ ﺃﺳﺎﺳﻬﺎ. ﺇﻻ ﺃﻥ ﻣﺮﺣﻠﻴﺔ ﻛﻮﻧﺖ، ﺑﺒﺴﺎﻃﺔ، ﺧﻄﺄ، ﻷﻧﻬﺎ ﻋﻜﺲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ. ﻓﺎﻟﺸﻌﺮ ﻭﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺍﻷُﺳﻄﻮﺭﺓ ﻭﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ – ﻭﺗﺤﺖ ﻫﺬﻩ ﻳﻘﻊ ﺟﺰﺀ ﻛﺒﻴﺮ ﺟﺪًﺍ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺍﺕ – ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺧﻔﻀﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺇﺟﺎﺑﺎﺕ ﺑﺪﺍﺋﻴﺔ ﻋﻦ ﺃﺳﺌﻠﺔ ﻫﻲ ﻣﻦ ﺍﺧﺘﺼﺎﺹ ﺍﻟﻌﻠﻢ. ﻓﻬﺎ ﻧﺤﻦ ﻓﻲ ﻋﺼﺮ ﻣﺘﻘﺪﻡ ﻋﻠﻤﻴًﺎ، ﻟﻜﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﺸﺎﻃﺎﺕ ﻟﻢ ﺗَﺒْﻄﻞ، ﻷﻥ ﻟﻬﺎ ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻟﻪ ﺑﺎﻧﻔﺼﺎﻝ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ. ﻭﻧﺤﻦ، ﻣﻨﺬ ﻣﻌﺮﻓﺘﻨﺎ ﻟﻠﺤﻀﺎﺭﺓ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻴﻮﻡ، ﻧﻌﺮﻑ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﺸﻌﺮ ﻭﺍﻟﻔﻦ، ﻣﺠﺘﻤﻌﺔً ﻭﺩﻭﻥ ﻣﺮﺍﺣﻞ. ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﻈﺮﺓ ﻛﻮﻧﺖ ﺻﺤﻴﺤﺔ، ﻟﻜﺎﻥ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻓﻴﺰﻳﺎﺀ ﻭﻛﻴﻤﻴﺎﺀ ﻭﻋﻠﻮﻣًﺎ ﺃُﺧﺮﻯ ﻣﻨﻈﻮﻣﺔ. ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﻧﺴﺄﻝ: ﺑﺄﻱ ﻣﻨﻄﻖ ﻳﻘﺘﻀﻲ ﻛﻮﻧﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﺩﺍﺓ ﻟﻠﺴﻌﺎﺩﺓ؟ ﻛﻴﻒ ﻧﺠﺪ ﻟﻠﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻭﺳﻼﻣﺔ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻣﻜﺎﻧًﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ، ﻭﻫﻲ ﻻ ﺗﻌﻄﻲ ﺃﺟﻮﺑﺔ ﻭﻻ ﺗَﻄﺮﺡ ﺃﺳﺌﻠﺔ ﻫﻨﺎ؟
ﺇﻥ ﺍﻷﺳﺌﻠﺔ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻫﻲ ﻣﻦ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻵﺗﻲ: "ﻣﻢَّ ﻳﺘﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﺎﺀ؟". ﺃﻣﺎ ﺍﻷﺳﺌﻠﺔ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻓﻬﻲ ﻣﻦ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻵﺗﻲ: "ﻟﻤﺎﺫﺍ ﺃُﺣﺐَّ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻵﺧﺮ؟". ﺍﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻷﻭﻝ ﺃﻣﺮ ﺗﺠﺮﻳﺒﻲ، ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻧﻪ ﺇﺫﺍ ﻭُﺟﺪ ﻓﻲ ﺗﻜﻮﻳﻦ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﻣﺎﺩﺓ ﺛﺎﻟﺜﺔ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻬﻴﺪﺭﻭﺟﻴﻦ ﻭﺍﻷُﻭﻛﺴﻴﺠﻴﻦ ﺗَﻐﻴَّﺮ ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ. ﺃﻣﺎ ﺍﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻓﺄﻣﺮ ﻣﺴﺘﻘﻞ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﺠﺮﺑﺔ، ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻧﻪ ﻏﻴﺮ ﺇﺣﺼﺎﺋﻲ. ﻓﺎﻟﻤﺤﺒﺔ ﺃﻓﻀﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ، ﺣﺘﻰ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻣﻌﻈﻢ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻧﻌﺮﻓﻬﻢ ﻣﺒﻐﻀﻴﻦ. ﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺁﺭﺍﺀ ﻃﺎﻟﻴﺲ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ، ﻭﻣﻨﻬﺎ ﺃﻥ ﺍﻷﺭﺽ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﻣﺴﻄﺤﺔ ﻋﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻴﺎﻩ، ﻣﻀﺤﻜﺔ ﻓﻲ ﻳﻮﻣﻨﺎ. ﺃﻣﺎ ﻛﺘﺎﺑﺎﺕ ﺍﻟﻤﺴﺮﺣﻴﻴﻦ ﻭﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ ﻭﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ، ﺃﻣﺜﺎﻝ ﺳﻮﻓﻮﻛﻠﻴﺲ ﻭﻫﻮﻣﻴﺮﻭﺱ ﻭﺩﺍﻭﺩ ﻭﺃﻓﻼﻃﻮﻥ، ﻓﻤﺎ ﺗﺰﺍﻝ ﻣﻨﻄﺒﻘﺔ ﻋﻠﻰ ﻭﺿﻌﻨﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ.
*ﻫﺬﺍ ﻷﻥَّ ﻭﺟﻮﺩﻧﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﺍﻷﺳﺎﺳﻲ ﻟﻢ ﻳﺘﺒﺪﻝ. ﻓﻤﺎ ﻳﺠﻌﻠﻨﺎ ﺃُﻧﺎﺳًﺎ، ﺃﻱ ﻛﺎﺋﻨﺎﺕ ﺗﺘﺤﺪﺩ ﺑﻌﻼﻗﺘﻬﺎ ﻣﻊ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻣﻊ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ، ﻫﻮ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﺃﻳﺎﻡ ﻗﺪﺍﻣﻰ ﺍﻟﻤﺴﺮﺣﻴﻴﻦ ﻭﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻭﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ. ﻟﺬﻟﻚ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃُﻭﻟﺌﻚ ﺃﻥ ﻳﺨﺒﺮﻭﻧﺎ ﻋﻦ ﻭﺟﻮﺩﻧﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﺍﻷﺳﺎﺳﻲ ﻣﺎ ﻳﺨﺒﺮﻧﺎ ﺇﻳﺎﻩ ﺍﻟﻤﺤْﺪَﺛﻮﻥ، ﻭﻻ ﻓﺮﻕ ﺍﻟﺒﺘﺔ، ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻐﺮﺽ، ﺳﻮﺍﺀ ﺁﻣﻨﻮﺍ ﺑﻨﻈﺮﻳﺔ ﺑﻄﻠﻴﻤﻮﺱ ﺃﻭ ﻛﻮﺑﺮﻧﻴﻜﻮﺱ ﺃﻭ ﺃﻳﻨﺸﺘﻴﻦ ﺍﻟﻜﻮﺯﻣﻮﻟﻮﺟﻴﺔ، ﺃﻭ ﺑﺄﻥ ﺍﻷﺭﺽ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﻇﻬﺮ ﻓﻴﻞ ﻳﻘﻒ ﻓﻮﻕ ﺳﻠﺤﻔﺎﺓ[17]
.*
ﻳﻀﺎﻑ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻠﻢ، ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﻴﺐ ﻋﻦ ﺃﺳﺌﻠﺔ ﻣﻦ ﻧﻮﻉ "ﻣﻢَّ ﻳﺘﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﺎﺀ؟"، ﻻ ﻳﺠﻴﺐ ﻭﻻ ﻳَﺴﺄﻝ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻠﺔ ﺍﻷُﻭﻟﻰ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﻮَّﻧﺖ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﻭﻛﻮَّﻧﺖ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﺁﺧﺮ. ﻓﻘﻮﻟﻨﺎ ﺇﻥ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﺟﺎﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﻬﻴﺪﺭﻭﺟﻴﻦ ﻭﺍﻷُﻭﻛﺴﻴﺠﻴﻦ ﺻﺤﻴﺢ، ﻭﻗﻮﻟﻨﺎ ﺇﻧﻪ ﺟﺎﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ، ﺧﺎﻟﻖ ﺍﻷُﻭﻛﺴﻴﺠﻴﻦ ﻭﺍﻟﻬﻴﺪﺭﻭﺟﻴﻦ ﻭﺧﺎﻟﻖ ﺍﻟﻜﻞ، ﺻﺤﻴﺢ ﺃﻳﻀًﺎ. ﻟﻜﻦ ﺍﻷﺳﺌﻠﺔ ﺍﻟﺠﻮﻫﺮﻳﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ، ﻛﺎﻟﺴﺆﺍﻝ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻠﺔ ﺍﻷُﻭﻟﻰ ﻟﻜﻞ ﺷﻲﺀ، ﺗﻘﻊ ﻛﻠﻴًﺎ ﺧﺎﺭﺝ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ.
ﻣﺎ ﺗَﻘﺪﻡ ﻋﺮﺿﻪ ﻛﺎﻥ ﺛﻼﺛﺔ ﺃﻭﻫﺎﻡ ﺭﺋﻴﺴﻴﺔ ﻣﻦ ﺃﻭﻫﺎﻡ ﺍﻟﻌﻠﻢ. ﻭﻳﻤﻜﻦ ﺗﻌﺪﺍﺩ ﻋﺸﺮﺍﺕ ﺍﻷﻭﻫﺎﻡ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﺍﻷُﺧﺮﻯ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﺸﺄ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻭﻫﺎﻡ ﺃﻭ ﺗُﺠﺎﻭِﺭُﻫﺎ. ﺇﻻ ﺃﻧﻨﺎ ﻧﻜﺘﻔﻲ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪ، ﻣﻨﺒِّﻬﻴﻦ ﻣﺮﺓ ﺃُﺧﺮﻯ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺧﻄﺎﺀ ﻻ ﺗُﻠﺰِﻡ ﻣﺠﻤﻞ ﻣﺎ ﻳﺴﻤَّﻰ ﻋﻠﻤًﺎ، ﻭﻻ ﻫﻲ ﻣﺴﺘﻤَﺪَّﺓ ﻣﻦ ﻣﻨﻬﺞ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺃﻭ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ. ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻣﻐﺎﻟﻄﺎﺕ ﻳﻘﻊ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﻤﻔﻜﺮﻳﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺘﺨﺬﻭﻥ ﺧﻄﻮﺍﺕ ﻧﺎﻗﺼﺔ ﻣﻦ ﻣﻘﺪﻣﺎﺕ ﻋﻠﻤﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻮﺻِﻞ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻣﻘﺪﻣﺎﺗﻬﻢ ﺑﺄﻱ ﻣﻨﻄﻖ ﺳﻠﻴﻢ.
ﺇﻥَّ ﺍﻟﻨﻈﺮﺓ ﺍﻵﻟﻴﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺤﻮَّﻝ ﺇﻟﻰ ﺣﺘﻤﻴﺔ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﻠﻮﻙ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ، ﻟﻴﺴﺖ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﻋﻠﻤﻴﺔ، ﻭﺇﻥ ﺃُﻋﻄﻴﺖ ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺳُﺨِّﺮﺕ ﻟﻬﺎ ﺷﻮﺍﻫﺪ ﻋﻠﻤﻴﺔ. ﻓﺎﻟﻌﻠﻤﺎﺀ، ﺇﻟﻰ ﺣﺪ ﺍﺷﺘﻐﺎﻟﻬﻢ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ، ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮﻥ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺑﺎﻵﻟﻴَّﺔ ﻭﻻ ﺑﺎﻹﻟﻬﻴَّﺔ ﻭﻻ ﺑﺎﻟﺤﺘﻤﻴَّﺔ. ﻫﺬﻩ ﻣﻘﻮﻻﺕ ﺗﻨﺘﻤﻲ ﻻ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺑﻞ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ. ﻭﺍﻟﻤﺆﺳﻒ ﺃﻥ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺍﻟﻤﺤﺘﻜﻤﻴﻦ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺃﺗﺒﺎﻋَﻬﻢ ﻳﺴﻮِّﻗﻮﻥ ﺁﺭﺍﺀﻫﻢ ﻭﻧﻈﺮﻳﺎﺗﻬﻢ ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﺼﻮﻣﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﺨﻄﺄ، ﻟﻤﺠﺮَّﺩ ﺇﻟﺼﺎﻕ ﺻﻔﺔ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﻣﺸﺘﻘَّﺎﺗﻬﺎ ﺑﻬﺎ. ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻟﻄﺒﻴﺐ ﻭﻋﺎﻟِﻢ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻭﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﺍﻷﻣﻴﺮﻛﻲ ﻭﻟﻴﻢ ﺟﻴﻤﺲ (1842 – 1910) ﺗَﻨﺒَّﻪ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﻭﻛﺘﺐ، ﻓﻲ ﺃﻭﺍﺧﺮ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ، ﺃﻥَّ
*ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻧﺰﻋﺔ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﻭﻣﺎﺩﻳﺔ ﻣﺘﺄﺻﻠﺔ، ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻬﺎ ﺍﻟﺘﺴﻠﻴﻢ ﺇﻻ ﺑﺎﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻤﻠﻤﻮﺳﺔ ﻓﻌﻼً. ﻭﺗﺠﺪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﺰﻋﺔ ﻓﻲ ﻣﺎ ﻳﺴﻤَّﻰ ﻋﻠﻤًﺎ ﻭﺛﻨﻬﺎ ﺍﻟﻤﻌﺒﻮﺩ. ﻭﺇﺣﺪﻯ ﺍﻟﻌﻼﻣﺎﺕ ﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻌﺎﺑﺪ ﻫﻲ ﻭﻟﻌﻪ ﺑﻜﻠﻤﺔ "ﻋﺎﻟِﻢ". ﻭﻫﻨﺎﻙ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻗﺼﻴﺮﺓ ﻟﻠﻘﻀﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺃﻱ ﺭﺃﻱ ﻻ ﺗﺆﻣﻦ ﺑﻪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﺰﻋﺔ، ﻫﻲ ﻭﺻﻔﻪ ﺑﺎﻟﻼﻋﻠﻤﻴَّﺔ[18]
.*
ﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﺃﻧﻄﻠﻖ ﺇﻟﻰ ﺗﻌﻴﻴﻦ ﺑﻌﺾ ﺃﻭﻫﺎﻡ ﺍﻟﺪﻳﻦ، ﻋﻠﻤًﺎ ﺃﻥ ﺭﺃﻱ ﻭﻟﻴﻢ ﺟﻴﻤﺲ ﻫﺬﺍ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﺇﻃﺎﺭ ﺍﻟﺮﺩِّ ﻋﻠﻰ ﺯﻋﻢ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺍﻟﻤﺤﺘﻜﻤﻴﻦ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺃﻥ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺗﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﻋﺪﺍﺩ ﺍﻟﻈﻮﺍﻫﺮ ﺍﻟﻤﺮَﺿﻴﺔ، ﻭﺃﻥ ﻭﺍﺟﺐ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺃﻋﺮﺍﺿﻬﺎ ﻭﺃﺳﺒﺎﺑﻬﺎ ﻭﻧﺘﺎﺋﺠﻬﺎ ﺗﻤﻬﻴﺪًﺍ ﻹﻳﺠﺎﺩ ﺍﻟﻌﻼﺝ ﺍﻟﻤﻼﺋﻢ ﻟﻬﺎ.
*ﺃﻭﻫﺎﻡ ﺍﻟﺪﻳﻦ*
*1. ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻳﺒﺮﻫﻦ ﻋﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻠﻪ*
ﺍﻟﻮﻫﻢ ﺍﻷﻭﻝ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻄﺎﻕ ﻫﻮ ﺍﻗﺘﻨﺎﻉ ﺑﻌﺾ ﻣﻤﺜﻠﻲ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ – ﻭﺑﻴﻨﻬﻢ ﻋﺪﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ – ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻳﺒﺮﻫﻦ ﻋﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻠﻪ. ﻓﺎﻟﻌﻠﻤﺎﺀ، ﻋﺒﺮ ﻣﺮﺍﻗﺒﺘﻬﻢ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻭﺩﺭﺍﺳﺘﻪ ﻓﻲ ﻣﺨﺘﺒﺮﺍﺕ ﺍﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﻔﻴﺰﻳﺎﺀ ﻭﻋﻠﻮﻡ ﺍﻷﺣﻴﺎﺀ ﻭﻃﺒﻘﺎﺕ ﺍﻷﺭﺽ ﻭﺍﻟﺒﺤﺎﺭ ﻭﺍﻟﻔﻠﻚ ﻭﻣﺎ ﺇﻟﻴﻬﺎ، ﻻ ﺑﺪَّ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﻘﻔﻮﺍ ﻣﻨﺪﻫﺸﻴﻦ ﺃﻭ ﻣﻨﺸﺪﻫﻴﻦ ﺃﻣﺎﻡ ﺃﻣﺮﻳﻦ: ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﻭﻛﻴﻔﻴﺔ ﻭﺟﻮﺩﻫﺎ.
ﻋﻦ ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻷﻭَّﻝ ﻋَﺒَّﺮ ﻟﻮﺩﻓﻴﻎ ﻓﻴﺘﻜﻨﺸﺘﺎﻳﻦ (1889 – 1951)، ﺃﺣﺪ ﺃﺑﺮﺯ ﻓﻼﺳﻔﺔ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ، ﺑﻘﻮﻟﻪ ﺇﻥَّ "ﺍﻟﻤﻠﻐِﺰ ﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ، ﺑﻞ ﻓﻲ ﻭﺟﻮﺩﻫﺎ ﺍﻟﻤﺤﺾ"[19]
. ﻭﻟﺒﺚ ﻓﻴﺘﻜﻨﺸﺘﺎﻳﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﻳﺠﺪ ﺣﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺗَﺤﺮِّﻱ ﺍﻟﻤﻠﻐِﺰ، ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻟﻴﺒﻨﺘﺰ (1646 – 1716) ﻗﺪ ﺗَﺘﺒَّﻊ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻠﻐﺰ ﺍﻧﻄﻼﻗًﺎ ﻣﻦ ﺳﺆﺍﻟﻪ: "ﻟﻤﺎﺫﺍ ﻫﻨﺎﻙ ﺷﻲﺀ ﻭﻟﻴﺲ ﻻ ﺷﻲﺀ؟"... "ﻛﻴﻒ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺃﻥَّ ﻫﻨﺎﻙ ﺷﻴﺌًﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﻃﻼﻕ؟"[20]
.
ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ، ﻳﺮﻯ ﺑﻌﺾ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ، ﻭﺑﻴﻨﻬﻢ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﻛﻤﺎ ﻗﻠﻨﺎ، ﺃﻥ ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ، ﻭﻫﻮ ﺍﻻﻗﺮﺍﺭ ﺑﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﺧﻠﻖ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، ﻳﻨﺘﻤﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ. ﻓﻼ ﻳﻜﻔﻲ ﺃﻥ ﻳﺠﻴﺐ ﺍﻟﻌﺎﻟِﻢ ﻋﻦ ﺗﻜﻮﻳﻦ ﺍﻟﻤﺎﺀ، ﻣﺜﻼً، ﺑِﻌُﻨﺼﺮَﻱ ﺍﻟﻬﻴﺪﺭﻭﺟﻴﻦ ﻭﺍﻷُﻭﻛﺴﻴﺠﻴﻦ، ﺇﺫْ ﻳﺒﻘﻰ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﻗﺎﺋﻤًﺎ ﻋﻦ ﻣﺼﺪﺭ ﻫﺬﻳﻦ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮﻳﻦ، ﻻ ﺑﻞ ﻋﻦ ﻣﺼﺪﺭ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﺍﻷﺻﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﻜﻮﻥ ﻣﻨﻬﺎ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ، ﺳﻮﺍﺀٌ ﺃﺳَﻤَّﻴﻨﺎﻫﺎ ﺍﻟﺬﺭَّﺓ ﺃﻡ ﺃﻱ ﺷﻲﺀ ﺁﺧﺮ. ﻭﻫﺬﺍ، ﻓﻲ ﺭﺃﻳﻬﻢ، ﻫﻮ ﺍﻟﺒﺮﻫﺎﻥ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ ﺍﻷﻛﻴﺪ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻠﻪ. ﻭﻫﻢ ﻳﺤﺘﻜﻤﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﻛﺒﺎﺭ، ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻔﻴﺰﻳﺎﺋﻲ ﺍﻷﻟﻤﺎﻧﻲ ﻣﺎﻛﺲ ﺑﻼﻧﻚ (1858 – 1947)، ﺻﺎﺣﺐ "ﻧﻈﺮﻳَّﺔ ﺍﻟﻜَﻢّ" Quantum theory، ﺍﻟﺬﻱ ﻗﺎﻝ ﺇﻥ "ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﻳﺸﻨَّﺎﻥ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﻣﺸﺘﺮﻛﺔ ﻭﺩﺍﺋﻤﺔ ﺿﺪ ﺍﻟﺘﺸﻜﻴﻜﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﺰﻣُّﺘﻴﺔ ﻭﻋﺪﻡ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻨﺰﻋﺔ ﺍﻟﺨﺮﺍﻓﻴﺔ. ﻭﺻﺮﺧﺘﻬﻤﺎ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﻫﻲ: ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ"[21]
. ﻭﻳﺆﻳﺪ ﺍﻟﻔﻴﺰﻳﺎﺋﻲ ﺍﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲ ﺟﻴﻤﺲ ﺟﻴﻨﺰ (1877 – 1946) ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻈﺮﺓ ﺑﻘﻮﻟﻪ ﺇﻥ ﺍﻟﻜﻮﻥ، ﻟﻤﻦ ﻳﺘﺒﺼَّﺮ ﻓﻴﻪ، ﻳﺒﺪﻭ ﻣﻦ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺃﻭ ﺍﻟﺮﻭﺡ، ﻻ ﻣﻦ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﺃﻭ ﺍﻵﻟﺔ[22]
.
ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺘﺼﺪﻱ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻮﻫﻢ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ، ﻓَﻠْﻨﻨﺘﻘﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻵﺧﺮ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻖ ﺑﻪ، ﻭﻫﻮ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﻭﺗﺮﺗﻴﺒﻬﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻮﻥ. ﻻ ﺷﻚ ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻧﻈﺎﻣًﺎ ﺑﺪﻳﻌًﺎ ﻳﺘﺠﻠﻰ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻇﻮﺍﻫﺮ ﺍﻟﻜﻮﻥ، ﻭﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻭﻋﻘﻞ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ. ﻭﻣﺎ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﺳﻮﻯ ﻣﺮﺍﻗَﺒﺔ ﻟﻠﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺴﻴﺮ ﺑﻤﻮﺟﺒﻪ ﺍﻷﺣﺪﺍﺙ ﻭﺍﻛﺘﺸﺎﻑ ﻟﻠﻤﺒﺎﺩﺉ ﻭﺍﻟﻘﻮﺍﻋﺪ ﻭﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ. ﻫﺬﺍ ﺍﻻﻧﺘﻈﺎﻡ ﻓﻲ ﺃﺣﺪﺍﺙ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻭﺃﻓﻌﺎﻝ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺟَﻌﻞ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﺍﻷﻟﻤﺎﻧﻲ ﺇﻳﻤﺎﻧﻮﻳﻞ ﻛﺎﻧﻂ (1724 – 1804) ﻳﻌﺒِّﺮ ﻋﻦ ﺇﺟﻼﻟﻪ ﻟﻈﺎﻫﺮﺗَﻴﻦ: ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﺍﻟﻤﺸﻌَّﺔ ﺑﺎﻟﻨﺠﻮﻡ ﻓﻮﻗﻪ ﻭﺍﻟﻀﻤﻴﺮ ﺍﻟﺨُﻠﻘﻲ ﺩﺍﺧﻠﻪ[23]
. ﻛﻤﺎ ﺟﻌﻞ ﻋﺪﺩًﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻭﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻳﺴﺘﻨﺘﺠﻮﻥ، ﺍﻧﻄﻼﻗًﺎ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ، ﺳﻮﺍﺀٌ ﻓﻲ ﺣﺮﻛﺔ ﺍﻷﻓﻼﻙ ﺃﻭ ﻓﻲ ﺗَﻌﺎﻗﺐ ﺍﻟﻔﺼﻮﻝ ﺃﻭ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺰﺭﺍﻋﻴﺔ ﺃﻭ ﻓﻲ ﺟﺴﺪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺃﻭ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﺍﻟﺤﻲ ﻋﻤﻮﻣًﺎ ﺃﻭ ﻓﻲ ﺃﻱِّ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ، ﻭﺍﻧﻄﻼﻗًﺎ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻛﻞ ﻧﻈﺎﻡ ﺇﻧﻤﺎ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﻣﻨﻈِّﻢ، ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﻨﻈِّﻤًﺎ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻧﻮﻋًﺎ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻛﻴﺎﻥ ﺁﺧﺮ، ﺃﻻ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻠﻪ.
ﺇﺫﺍ ﻧﻈﺮﻧﺎ ﺍﻵﻥ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﻫﻢ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ، ﻓﻲ ﺟﺎﻧﺒﻴﻪ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻘَﻴﻦ ﺑﺎﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤﺤﺾ ﻭﻛﻴﻔﻴﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﻟﺮﺃﻳﻨﺎ ﺃﻥ ﻣﺎ ﻳﺠﻌﻠﻪ ﻭﻫﻤًﺎ ﻟﻴﺲ ﺗﻔﺴﻴﺮﻩ ﻟﻔﻌﻠَﻲ ﺍﻟﺨَﻠﻖ ﻭﺍﻟﻨﻈﺎﻡ، ﺑﻞ ﻣﺤﺎﻭﻟﺘﻪ ﺇﺭﺳﺎﺀ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺃﻭ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ. ﺍﻟﻌﺎﻟِﻢ ﻻ ﻳﺤﺘﺎﺝ، ﻓﻲ ﺣﺪﻭﺩ ﻋﻤﻠﻪ، ﺇﻟﻰ ﺃﻱِّ ﻧﺠﺪﺓ ﻣﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻴﺔ، ﺳﻮﺍﺀ ﻋﻠﻰ ﻫﻴﺌﺔ ﺍﻟﻌﻠﺔ ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻌﻠﺔ ﺍﻟﻨﻈﺎﻣﻴﺔ، ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻗﻴﺎﻡ ﻋﻠﻤﻪ ﻭﺍﺳﺘﻤﺮﺍﺭﻩ. ﻓﺎﻟﻌﺎﻟَﻢ ﻫﻨﺎﻙ، ﻭﻛﻔﻰ. ﻭﻫﻮ ﻳﻌﻤﻞ ﺑﺎﻧﺘﻈﺎﻡ، ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﻳﺘﺤﺮَّﻯ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻓﻲ ﺇﻃﺎﺭﻩ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻲ. ﻭﺭُﺏَّ ﻋﺎﻟِﻢٍ ﻛﺎﻥ ﻏﻴﺮ ﻣﺆﻣﻦ، ﻭﻟﻢ ﻳَﻌِﺐ ﻋﺪﻡُ ﺇﻳﻤﺎﻧﻪ ﻋﻠﻤَﻪ، ﻭﺭﺏَّ ﻋﺎﻟِﻢٍ ﻛﺎﻥ ﻣﺆﻣﻨًﺎ، ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﻳﺴﻌﻒ ﻋﻠﻤَﻪ ﺇﻳﻤﺎﻧُﻪ. ﻭﺇﻧﻨﺎ ﻟﻮﺍﺟﺪﻭﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ، ﺿﻠﻴﻌﻬﻢ ﻭﺿﺌﻴﻠﻬﻢ، ﻧَﻔَﺮًﺍ ﻛﺒﻴﺮًﺍ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﺪ ﺟﺎﻧﺒﻲ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻼﺇﻳﻤﺎﻥ، ﺃﻭ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻥ ﺃﻭ ﺁﺧﺮ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ.
ﺃﻣَّﺎ ﻃﺮﺡ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﻋﻦ ﺃﺻﻞ ﺍﻟﻌﺎﻟَﻢ ﻭﻣﺼﺪﺭ ﻧﻈﺎﻣﻪ ﻭﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﺍﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻨﻪ ﻓﻠﻦ ﻳﻀﻴﻔﺎ ﺫﺭَّﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺨﺮﺝ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ. ﻻ ﺑﻞ ﺇﻥَّ ﺇﻗﺤﺎﻡ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻖ ﺃﻭ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﻓﻲ ﻧﻄﺎﻕ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻪ ﺃﻥ ﻳﻌﺮﻗﻞ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﺪﻳﻦ ﻛﻠﻴﻬﻤﺎ. ﻓﻬﻮ ﻳﻌﺮﻗﻞ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺑﺈﺩﺧﺎﻟﻪ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﻐﺎﺋﻴَّﺔ ﺇﻟﻰ ﻏﻴﺮ ﻧﻄﺎﻗﻬﺎ. ﻭﻳﻌﺮﻗِﻞ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺑﺠﻌﻠﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﺮﺿﻴﺔ ﻋﻠﻤﻴﺔ، ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳَﺆﻭﻝ، ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ﺍﻷﺧﻴﺮ، ﺇﻟﻰ ﺇﻧﻜﺎﺭﻩ ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ. ﻭﺍﻷﺣﺮﻯ ﺃﻥ ﻳﻜﻒَّ ﺫَﻭﻭ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﻋﻦ ﺍﻻﺳﺘﻨﺠﺎﺩ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ، ﻭﻳﻨﻈﺮﻭﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻫﻮ ﻳﻘﻴﻦ ﻣﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻲ ﺃﻭ ﻭﺟﻮﺩﻱ، ﻻ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻫﻮ ﻓﺮَﺿﻴﺔ ﻋﻠﻤﻴﺔ.
*2. ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻳﻜﻤﻞ ﻣﺎ ﻳﻌﺠﺰ ﻋﻨﻪ ﺍﻟﻌﻠﻢ*
ﺍﻟﻮﻫﻢ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺃﻭﻫﺎﻡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻫﻮ ﺫﺍﻙ ﺍﻟﻘﺎﺋﻞ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻳﻜﻤﻞ ﻣﺎ ﻳﻌﺠﺰ ﻋﻨﻪ ﺍﻟﻌﻠﻢ. ﻭﻳﺬﻫﺐ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻈﺮﺓ ﺃﻭ ﺿﺤﺎﻳﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﻫﻢ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻳﺄﺧﺬﻧﺎ ﺑﻌﻴﺪًﺍ ﺟﺪًﺍ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ، ﻭﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺑﺘﻜﺮﻫﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺗﺰﻭِّﺩﻩ ﺑﺎﻷﺟﻮﺑﺔ ﺍﻟﻤﻼﺋﻤﺔ ﻋﻦ ﻣﻌﻈﻢ ﺍﻷﺳﺌﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﻃﺮﺣﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ. ﺇﻻ ﺃﻧﻪ ﻳﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﻧﻘﻄﺔ ﺗﻌﺠﺰ ﻋﻨﺪﻫﺎ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﻋﻦ ﺍﻹﺟﺎﺑﺔ. ﻭﻫﻨﺎ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ ﻳﺄﺗﻲ ﺩَﻭﺭ ﺍﻻﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ، ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﺠﺎﻭﺯ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻛﻤﺎ ﻳُﻘﺎﻝ.
ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻈﺮﺓ ﻏﻴﺮ ﻣﻘﺒﻮﻟﺔ، ﻭﺇﻥْ ﺗﻮﺻَّﻞ ﺩﻋﺎﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ. ﻓﻠﻺﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﻋﻤﻠﻪ ﻣﻨﺬ ﺍﻟﺒﺪﺍﻳﺔ، ﻭﻫﻮ ﻻ ﻳﺄﺗﻲ ﻹﻛﻤﺎﻝ ﻣﺎ ﻳﻌﺠﺰ ﻋﻨﻪ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ. ﻟﻜﻦ ﺇﺫﺍ ﺍﺳﺘﻄﻌﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺒﺪﺃ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺇﻳﻤﺎﻥ، ﻭﺃﻥ ﻧﻘﻄﻊ ﻣﻌﻪ ﺷﻮﻃًﺎ ﺑﻌﻴﺪًﺍ ﺟﺪًﺍ ﺑﺎﻧﻔﺼﺎﻝ ﻋﻦ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ، ﻓﻼ ﺷﻲﺀ ﻳﻤﻨﻊ ﺃﻥ ﻧﺘﺎﺑﻊ ﻣﻊ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺣﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺇﺩﺧﺎﻝ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻟﺴَﺪِّ ﺍﻟﺜﻐﺮﺍﺕ. ﻭﻛﻤﺎ ﺗَﻄﻮَّﺭﺕ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ، ﻓﻬﻲ ﻣﺎ ﺗﺰﺍﻝ ﺗﺘﻄﻮﺭ ﻭﺗﻜﺴﺐ ﺃﺭﺿًﺎ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻳﻮﻣًﺎ ﺑﻌﺪ ﻳﻮﻡ. ﻫﺬﺍ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻧﻪ، ﺍﻧﻄﻼﻗًﺎ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻈﺮﺓ، ﻻ ﺣﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻛﻲ ﻳﻜﻤﻞ ﺍﻟﻌﻠﻢ، ﻷﻥ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻗﺎﺩﺭ ﻋﻠﻰ ﺇﻛﻤﺎﻝ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻛﻤﺎ ﺑﻴَّﻦ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺣﺘﻰ ﺍﻵﻥ. ﻫﻜﺬﺍ ﻳﺒﺪﻭ ﺃﻥ ﻧﻈﺮﺓ ﺍﻟﺘﻜﺎﻣﻞ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﻔﻀﻲ ﺑﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻻﺳﺘﻐﻨﺎﺀ ﻋﻦ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻣﻊ ﺍﻟﻘﻔﺰﺍﺕ ﺍﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺸﻬﺪﻫﺎ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺑﺎﻃّﺮﺍﺩ.
ﻭﻳﺠﺪﺭ ﺍﻟﺘﺬﻛﻴﺮ ﻫﻨﺎ ﺑﻤﻮﻗﻔَﻲ ﺍﻟﻔﻴﺰﻳﺎﺋﻴَّﻴﻦ ﻧﻴﻮﺗﻦ ﻭﻻﺑﻼﺱ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺠﺎﻝ. ﻓﻄﺎﻟﻤﺎ ﻋﻤﺪ ﻧﻴﻮﺗﻦ، ﻛﻤﺎ ﻣﺮَّ ﻣﻌﻨﺎ، ﺇﻟﻰ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﺍﻹﻟﻬﻲ ﻛﻠﻤﺎ ﻻﺣﻆَ ﺷﺬﻭﺫًﺍ ﻋﻦ ﻣﺒﺪﺃ ﺍﻟﺠﺎﺫﺑﻴﺔ. ﻭﺳﺮﻋﺎﻥ ﻣﺎ ﺃﻓﻀﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺇﻟﻰ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻣﻀﺤﻜﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺍﺳﺘﻄﺎﻉ ﻻﺑﻼﺱ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺮﻛﺎﺕ ﺍﻟﺸﺎﺫﺓ ﺇﻟﻰ ﺣﻀﻦ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ، ﻭﻫﻲ ﺃﻥ ﺍﻹﻟﻪ "ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ" ﺍﻟﺬﻱ ﻻﺫَ ﺑﻪ ﻧﻴﻮﺗﻦ ﻫﻮ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺇﻟﻪ ﺛﻐﺮﺍﺕ، ﻣﺎ ﺇﻥْ ﺗُﻤﻸُ ﺑﺎﻟﻤﺤﺘﻮﻯ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ ﺣﺘﻰ ﻳُﺴﺘﻐﻨﻰ ﻋﻨﻪ. ﻟﺬﻟﻚ ﺁﺛَﺮ ﻻﺑﻼﺱ ﺇﺑﻘﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ – ﻭﻫﻮ ﻛﺎﻥ ﻣﺆﻣﻨًﺎ ﺑﻪ ﻋﻦ ﻏﻴﺮ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻌﻠﻢ – ﺧﺎﺭﺝ ﻧﻈﺮﺗﻪ، ﺧﻮﻓًﺎ ﻣﻦ ﺃﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺼﻴﺮﻩ ﺧﻴﺮًﺍ ﻣﻦ ﻣﺼﻴﺮ ﺇﻟﻪ ﻧﻴﻮﺗﻦ.
ﻣﺎ ﺣﺎﻭﻟﻪ ﻧﻴﻮﺗﻦ ﻳﺸﺒﻪ ﻣﺎ ﻳﺤﺎﻭﻟﻪ ﺑﻌﺾ ﻣﻔﺴِّﺮﻱ ﺍﻟﺨﻮﺍﺭﻕ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﺑﺈﺩﺭﺍﺟﻬﺎ ﻓﻲ ﻧﻄﺎﻕ ﺍﻷﺣﺪﺍﺙ ﺍﻟﻤﺠﻬﻮﻟﺔ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ. ﻟﻜﻦ ﻣﺎﺫﺍ ﻳﺤﺼﻞ ﺑﻤﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﻌﺜﻮﺭ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ؟ ﻟﻘﺪ ﺭﺃﻳﻨﺎ ﺃﻥ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﻳﺰﺧﺮ ﺑﺘﻄﻮُّﺭﺍﺕ ﻫﺎﺋﻠﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﺴﺒﺒﻴﺔ، ﻳﻐﺪﻭ ﻣﻌﻬﺎ ﺍﻟﻤﺠﻬﻮﻝ ﻣﻌﻠﻮﻣًﺎ. ﻭﺇﺫﺍ ﺍﺳﺘﻄﻌﻨﺎ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﻣﺎ ﻋﺠﺰﻧﺎ ﻋﻦ ﺗﻔﺴﻴﺮﻩ ﺃﻣﺲ، ﻭﻓَﺴَّﺮﻧﺎ ﻏﺪًﺍ ﻣﺎ ﻧﻌﺠﺰ ﻋﻦ ﺗﻔﺴﻴﺮﻩ ﺍﻟﻴﻮﻡ، ﻓﻬﺬﺍ ﻳﻮﺻﻠﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻣﺮﺑﻜﺔ، ﻫﻲ ﺃﻥَّ ﺇﻋﺠﺎﺯ ﺍﻷﻣﺲ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻭﺇﻋﺠﺎﺯ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﻐﺪ. ﻭﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﻣﻌﻨﻰ ﺿﻌﻴﻒٌ ﺟﺪًﺍ، ﻻ ﺑﻞ ﻣﺮﻓﻮﺽ، ﻟﻠﻤﻌﺠﺰ.
ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﻫﻢ ﺍﻟﻘﺎﺋﻞ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻳﺘﺎﺑﻊ ﻣﺎ ﻳﻌﺠﺰ ﻋﻨﻪ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻳﻔﺘﺢ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ ﻛﺒﻴﺮﺓ، ﻫﻲ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺗَﺠﺎﻭُﺯ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﻤﻔﻬﻮﻣَﻲ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺬﺍﺗﻴﺔ. ﻫﻨﺎ ﺗﺼﻨَّﻒ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﺗﺤﺖ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻴﺔ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ، ﻓﻴﻤﺎ ﺗﺼﻨَّﻒ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺗﺤﺖ ﺍﻟﺬﺍﺗﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺠﺎﻭﺯ ﺍﻟﻌﻘﻞ، ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻲ ﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﺎﻣﻞ ﻭﺍﻟﻴﻘﻴﻨﻲِّ، ﻭﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﺮﺩﻱ ﺃﻭ ﺍﻷﻗﻞ ﺷﻤﻮﻻً ﻭﻳﻘﻴﻨﻴﺔً. ﻫﺬﺍ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻥ ﺗﺼﻨﻴﻒ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻄﺎﻕ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻫﻮ ﺗﺴﻠﻴﻢ ﺑﺎﻓﺘﻘﺎﺭﻫﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﻤﻮﻝ ﺃﻭ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﺭﺟﺔ ﺍﻟﻼﺋﻘﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻴﻘﻴﻦ. ﻓﺘﺼﺮﻳﺤﻨﺎ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﻳﻐﺪﻭ، ﻓﻲ ﺿﻮﺀ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻈﺮﺓ، ﺃﻗﻞ ﻳﻘﻴﻨﻴﺔً ﻣﻦ ﺗﺼﺮﻳﺤﻨﺎ ﺑﺄﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻔﺤﺔ ﻣﻮﺟﻮﺩﺓ. ﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﻣﻦ ﻣﺆﻣﻦ ﺟﺎﺩٍّ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻘﺒﻞ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ، ﻷﻥ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻠﻪ، ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻴﻪ، ﺃﻣﺮ ﻻ ﻳﻘﻞ ﻣﻮﺿﻮﻋﻴﺔً ﻭﻳﻘﻴﻨﻴﺔً ﻋﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻔﺤﺔ. ﻭﺍﻷﺣﺮﻯ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺬﺍﺗﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻴﺔ ﻛﻤﻔﻬﻮﻣَﻴﻦ ﻧﺴﺒﻴَّﻴﻦ، ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻫﻨﺎﻙ ﺫﺍﺗﻴﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻭﻻ ﻣﻮﺿﻮﻋﻴﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ. ﻓﻤﻮﺿﻮﻉ ﺍﻟﻤﺮﺍﻗﺒﺔ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﺍﻟﺘﺬﻭُّﻕ ﺍﻟﻔﻨﻲ ﺃﻭ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﺍﻟﺘﺄﻣﻞ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ، ﻭﻣﻮﻗﻒ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻣﻦ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﺇﻟﻰ ﺁﺧﺮ.
ﻣﻤﺎ ﺗﺴﺘﺘﺒﻌﻪ ﻧﻈﺮﺗﻨﺎ ﻫﺬﻩ ﺇﺑﻄﺎﻝ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺑﺪﺭﺟﺎﺕ ﻟﻠﻴﻘﻴﻦ ﺗﺒﺪﺃ، ﻓﻲ ﺃﻋﻼﻫﺎ، ﺑﺎﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺎﺕ ﻭﺗﺘﺤﺮﻙ ﻧﺰﻭﻻً ﻋﻠﻰ ﺧﻂ ﻭﺍﺣﺪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻓﺎﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﻟﺘﻨﺘﻬﻲ ﻓﻲ ﺃﺳﻔﻞ ﺍﻟﺨﻂ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎﻟﺪﻳﻦ ﻭﺑﻘﻴَّﺔ ﺍﻟﺨﺒﺮﺍﺕ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭﻳﺔ. ﻭﺍﻷﺣﺮﻯ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻜﻞ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﺃﻭ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﺎﺕ ﺧﻄَّﻪ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﻞ، ﺣﻴﺚ ﺗﺘﺪﺭﺝ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻴﻘﻴﻦ ﻓﻲ ﺧﺎﻧﺔ ﻣﻨﻄﻘﻴﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺿﻤﻦ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ. ﻓَﺸُﺮﻭﻁ ﺍﻟﻴﻘﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺎﺕ ﻏَﻴْﺮﻫﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻳﻦ. ﻫﺬﺍ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺔ ﺃﻛﺜﺮ ﻳﻘﻴﻨﻴﺔً ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ، ﻭﺃﻥ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻓﻲ ﻧﻄﺎﻕ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺃﺩﻧﻰ ﻳﻘﻴﻨﻴﺔً ﻣﻦ ﻛﻞ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﻑ، ﺃﻭ ﺃﻧﻬﺎ ﺧﺎﺭﺝ ﺣﺪﻭﺩ ﺍﻟﻴﻘﻴﻦ ﻛﻠﻴًﺎ. ﻭﺍﻷﺣﺮﻯ ﺃﻥ ﻧﺘﻜﻠﻢ ﻋﻦ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﻟﻠﻴﻘﻴﻦ ﻭﺍﻟﺼﺤﺔ ﻭﺍﻟﺨﻄﺄ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺃﻭ ﺍﻟﺤﻘﻞ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ، ﻓﻨﻘﻮﻝ ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﺃﺷﺪ ﻣﻼﺀﻣﺔً ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ – ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﺃﻳﻀًﺎ – ﻟﻠﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻣﺎ، ﺃﻭ ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﺮﺿﻴﺔ ﺍﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺔ ﺃﻗﻮﻯ ﺍﺣﺘﻤﺎﻻً ﻣـﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻔﺮﺿﻴﺔ – ﺍﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺔ ﺃﻳﻀًﺎ – ﻟﺤﻞِّ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ.
ﻫﺬﺍ ﻳﺒﻴِّﻦ ﻟﻨﺎ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﺍﻟﺨﻄﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺼﻞ ﺇﻟﻴﻪ ﺃُﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﻤﺪﺍﻓﻌﻮﻥ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﻮﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻘﺒﻠﻮﻥ ﺍﻟﻬﺠﻮﻡ ﺍﻟﻤﺴﻠَّﺢ ﺑﺎﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ، ﻓﻴﺬﻋﻨﻮﻥ ﻟﺤﺠﺐ ﺻﻔﺔ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻴﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﺪﻳﻦ، ﻭﻳﺤﻴﻠﻮﻧﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺫﺍﺗﻴﺔ ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻬﺎ ﻣﻘﺪﺍﺭﻫﺎ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﻣﻦ ﺍﻟﻴﻘﻴﻦ ﻓﻲ ﻧﻈﺮﻫﻢ. ﻓﺎﻟﻘﻮﻝ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺫﺍﺗﻴﺔ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻧﻬﺎ ﻧﻔﺴﻴﺔ ﻣﺤﺾ، ﻭﻻ ﻭﺟﻮﺩ ﻟﻬﺎ ﻛﻜﻴﺎﻧﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻲ.
ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺍﻟﻤﻼﺯﻡ ﻟﻠﻤﻮﺿﻮﻋﻲ ﻭﺍﻟﺬﺍﺗﻲ، ﺃﻱ ﺍﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﻣﺎ ﻳﺘﺠﺎﻭﺯ ﺍﻟﻌﻘﻞ، ﻓﻴﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﺍﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﺍﻟﺮﺿﻮﺥ ﻟﻤﺒﺎﺩﺉ ﺍﻟﺨﺼﻢ، ﻣﻊ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﺍﻟﺬﻫﺎﺏ ﺃﺑﻌﺪ ﻣﻨﻬﺎ. ﺃﻥ ﻧَﻌﻘﻞ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﺎ ﺃﻭ ﻣﻮﺿﻮﻋًﺎ ﻣﺎ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻥ ﻧﺘﻨﺒَّﻪ ﺇﻟﻰ ﻭﺟﻮﺩﻩ، ﺃﻥ ﻧﺤﻴﻂ ﺑﻪ، ﺃﻥ ﻧﺪﺭﻛﻪ، ﺃﻥ ﻧﺤﻠِّﻠﻪ، ﺃﻥ ﻧﻌﺒِّﺮ ﻋﻨﻪ... ﻭﺑﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﻌﺮﻓﻬﺎ ﺃﻭ ﻧﻘﻴﻢ ﻣﻌﻬﺎ ﻋﻼﻗﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔٌ ﻛﺜﻴﺮًﺍ ﻓﻲ ﻣﺎ ﺑﻴﻨﻬﺎ – ﻓﺒﻌﻀﻬﺎ ﻣﺎﺩﻱ ﻭﺑﻌﻀﻬﺎ ﻏﻴﺮ ﻣﺎﺩﻱ، ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺣﺴِّﻲ ﻭﺑﻌﻀﻬﺎ ﻏﻴﺮ ﺣﺴِّﻲ – ﻛﺎﻥ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺍﺧﺘﻼﻑ ﺻﻴﻐﺔ ﺍﻟﺘﻨﺒُّﻪ ﻭﺍﻹﺣﺎﻃﺔ ﻭﺍﻻﺩﺭﺍﻙ ﻭﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ﻭﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻣﻦ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﺇﻟﻰ ﺁﺧﺮ. ﻓﺈﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺣﻘﻴﻘﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻔﺤﺔ ﺣﻘﻴﻘﺘﻴﻦ ﻣﻮﺿﻮﻋﻴﺘﻴﻦ، ﻓﺈﺩﺭﺍﻙ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺍﻟﻮﺭﻗﺔ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺮﻭﺣﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺍﻟﻠﻪ. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺍﻹﺣﺎﻃﺔ ﺑﻜﻞ ﻣﻦ ﻫﺎﺗﻴﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺘﻴﻦ ﻭﻭﺻﻔﻬﺎ ﻭﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻨﻬﺎ.
ﻫﺬﺍ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻟﻴﺲ ﻣﻔﻬﻮﻣًﺎ ﻭﺍﺣﺪًﺍ ﺟﺎﻣﺪًﺍ، ﻟﻜﻨﻪ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﺑﺎﺧﺘﻼﻑ ﺍﻟﻤﻌﻘﻮﻝ. ﻭﺍﻟﻘﻮﻝ ﺑﺄﻥ ﻟﻜﻞ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﺃﻭ ﻧﺸﺎﻁ ﻋﻘﻠﻪ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻥ ﻟﻪ ﻧﻄﺎﻗﻪ ﻭﻣﻨﻄﻘﻪ. ﺃﻣﺎ ﺇﺧﺮﺍﺝ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻣﻦ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻓﻴﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺇﺧﺮﺍﺟﻪ ﻣﻦ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻤﻌﻘﻮﻝ. ﻫﻜﺬﺍ ﻳَﻈﻬﺮ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺗَﺠﺎﻭُﺯ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻓﻲ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻌﺎﻧﻴﻪ ﻣﺒﺎﺷَﺮﺓً، ﻭﻫﻮ "ﺍﻟﻼﻋﻘﻞ". ﻭﻣﺎ ﻣﻦ ﻣﺆﻣﻦ ﻳﺮﺗﻀﻲ ﺃﻥ ﻳﻀﻊ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺧﺎﺭﺝ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ.
ﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ؟ ﻭﻫﻞ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﻠَﻜﺔ ﻟﺪﻯ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﺳﻤﻬﺎ ﺍﻟﺤﺲُّ، ﻭﺃُﺧﺮﻯ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻋﻨﻬﺎ ﺍﺳﻤﻬﺎ ﺍﻟﻌﻘﻞ، ﻭﺛﺎﻟﺜﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻋﻦ ﻛﻠﺘﻴﻬﻤﺎ ﺍﺳﻤﻬﺎ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ؟ ﺇﻥَّ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻻ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﻋﻦ ﻗﻮﻯ ﺃﻭ ﻣﻠﻜﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﺬﻫﻦ، ﺑﻞ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﻋﻦ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻛﻜﻞٍّ. ﻓﺎﻟﺬﻱ ﻳﺤﺲ ﻭﻳَﻌﻘﻞ ﻭﻳﺆﻣﻦ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻭﺍﺣﺪ. ﻭﻫﻮ ﺇﻧﻤﺎ ﻳﺤﺲ ﻭﻳﻌﻘﻞ ﻭﻳﺆﻣﻦ ﺑﻜﻴﺎﻧﻪ ﻛﻠﻪ. ﺃﻣﺎ ﺃﻥ ﻧﺠﻌﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻗﻮﺓ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﺲ، ﻭﻣﻦ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻗﻮﺓ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ، ﻓﻬﺬﺍ ﻳﻌﻨﻲ، ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﻳﻦ، ﺃﻣﺮﻳﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻗﻞ، ﻫﻤﺎ ﺃﻥَّ ﻧﻄﺎﻗَﻲ ﺍﻟﻤﺤﺴﻮﺳﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﻌﻘﻮﻻﺕ ﻣﻨﻔﺼﻼﻥ ﺗﻤﺎﻣًﺎ ﻋﻦ ﻧﻄﺎﻕ ﺍﻟﺪﻳﻦ، ﻭﺃﻥَّ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺗﺴﻠﻴﻢ ﺃﻋﻤﻰ ﺑﺴﻠﻄﺎﻥ ﺧﺎﺭﺟﻲ. ﻭﻫﻨﺎﻙ ﻓﻌﻼً ﻣﺆﻣﻨﻮﻥ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺍﻷﺩﻳﺎﻥ ﻳﺘﺼﺮﻓﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﺤﻮ، ﻓﻴﻨﺴﺎﻗﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺃﻭ ﺗﻠﻚ ﺍﻧﺴﻴﺎﻗًﺎ ﺃﻋﻤﻰ، ﻭﻳﺘﻔﺎﻋﻠﻮﻥ ﻣﻊ ﺃﺣﺪﺍﺙ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻘﺘﺼﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺤﺴﻮﺱ ﻭﺍﻟﻤﻌﻘﻮﻝ، ﻭﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻨﻄﺎﻕ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ﻟﻺﻳﻤﺎﻥ ﻗﺎﺑﻌًﺎ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺁﺧﺮ ﻭﺭﺍﺀ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻭﺣﻴﺎﺓ ﺛﺎﻧﻴﺔ ﺗﺒﺪﺃ ﺑﻌﺪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ.
*3. ﺍﻟﻨﺰﻋﺔ ﺍﻹﻟﻐﺎﺋﻴَّﺔ*
ﻫﺬﺍ ﻳﻘﻮﺩﻧﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﻫﻢ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻣﻦ ﺃﻭﻫﺎﻡ ﺍﻟﺪﻳﻦ، ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺴﻤﻴﺘﻪ ﺑِﻮَﻫﻢ ﺍﻹﻟﻐﺎﺋﻴَّﺔ[24]
. ﻭﻫﻮ ﻳﺨﺘﺺ ﺑﺎﻟﺪﻳﻦ ﻓﻲ ﺫﺍﺗﻪ، ﻻ ﺑﺎﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﺃﻭ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺃﻱ ﻧﺸﺎﻁ ﺇﻧﺴﺎﻧﻲ ﺁﺧﺮ. ﺇﻧﻪ ﺍﻟﻨﺰﻋﺔ ﺍﻹﻟﻐﺎﺋﻴﺔ ﻟﺪﻯ ﺑﻌﺾ ﻏﻼﺓ ﺍﻟﻤﺘﺪﻳﻨﻴﻦ ﺗﺠﺎﻩ ﺫﻭﻱ ﺍﻷﺩﻳﺎﻥ ﺍﻷُﺧﺮﻯ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﺬﺍﻫﺐ ﺍﻷُﺧﺮﻯ. ﻫﻨﺎ ﻳﻨﻈﺮ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﺇﻟﻰ ﺩﻳﻨﻪ ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻭﺣﺪﻩ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ ﺃﻭ ﺍﻷﺻﺢ، ﺍﻟﻜﺎﻣﻞ ﺃﻭ ﺍﻷﻛﻤﻞ، ﻭﺇﻟﻰ ﺍﻷﺩﻳﺎﻥ ﺍﻷُﺧﺮﻯ ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻖ، ﺃﻭ ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺠﺎﻓﻲ ﺍﻟﺤﻖ ﺗﻤﺎﻣًﺎ. ﻭﻫﻨﺎﻙ ﻣَﻦ ﻳﺼﻨِّﻒ ﺍﻷﺩﻳﺎﻥ ﺇﻟﻰ "ﺳﻤﺎﻭﻳﺔ" ﻭ"ﻏﻴﺮ ﺳﻤﺎﻭﻳﺔ"، ﻧﺎﻇﺮًﺍ ﺇﻟﻰ ﺩﻳﻨﻪ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﺃﺭﻓﻊ ﺍﻷﺩﻳﺎﻥ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﻳﺔ، ﻭﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ ﺍﻷُﺧﺮﻯ ﻣﻦ ﺍﻷﺩﻳﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻬﺎ، ﻓﻲ ﺃﺣﺴﻦ ﺣﺎﻻﺗﻬﺎ، ﺭﺳﺎﻻﺕ ﻓﻲ ﺍﻷﺧﻼﻕ ﻭﺍﻻﺻﻼﺡ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺟﺎﺀﺕ ﻋﻠﻰ ﺃﻳﺪﻱ ﺣﻜﻤﺎﺀ ﺃﻭ ﻣﻌﻠﻤﻴﻦ ﻻ ﻋﻠﻰ ﺃﻳﺪﻱ ﺃﻧﺒﻴﺎﺀ ﺃﻭ ﻣﺮﺳَﻠﻴﻦ.
ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻈﺮﺓ ﺍﻹﻟﻐﺎﺋﻴﺔ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﻔﻀﻲ، ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﻌﻴﺪ ﺍﻟﻨﻈﺮﻱ، ﺇﻟﻰ ﻓﻜﺮ ﺩﻳﻨﻲ ﺳﺠﺎﻟﻲ، ﻟﻌﻠَّﻪ ﺫﺍﻙ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺳﺎﺩ ﻣﻌﻈﻢ ﺍﻷﻟﻔﻴﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ. ﻭﻫﻮ، ﺑﺎﻧﻄﻼﻗﻪ ﻣﻦ ﺃﻥَّ ﺛﻤَّﺔ ﺩﻳﻨًﺎ ﻭﺍﺣﺪًﺍ ﺻﺤﻴﺤًﺎ ﻳُﺒْﻄِﻞ ﻣﺎ ﻋﺪﺍﻩ، ﻳﻨﺘﻘﻞ ﺇﻟﻰ ﻛﻞ ﻣﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻟﻴﻤﺎﺭﺱ ﺍﻟﻄﻘﻮﺱ ﺃﻭ ﺍﻟﺸﻌﺎﺋﺮ ﺃﺷﻜﺎﻻً ﺟﺎﻣﺪﺓ ﻣﻔﺮﻏﺔ ﻣﻦ ﻣﻐﺰﺍﻫﺎ، ﻭﻳﺮﻛﺰ ﻋﻠﻰ ﺍﺳﻢ ﺟﻤﺎﻋﺘﻪ ﻣﺴﺘﺨﺪﻣًﺎ ﻛﻞ ﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﻟﻄﻤﺲ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ ﺍﻷُﺧﺮﻯ، ﻭﻳﻔﻬﻢ ﺑﺎﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﻧﻮﻋًﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻔﻮ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻤﻘﺪﺭﺓ، ﻭﻳﺠﻌﻞ ﻫﺪﻑ ﺍﻟﺤﻮﺍﺭ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﺗﺤﻮﻳﻞ ﺍﻵﺧﺮ ﻋﻦ ﺩﻳﻨﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﻳﻦ "ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ" ﻋﺒﺮ ﻣﺎ ﻳﻌﺘﺒﺮﻩ ﺟﺪﺍﻻً ﻣﻨﻄﻘﻴًﺎ. ﺃﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﻌﻴﺪ ﺍﻟﻌﻤﻠﻲ، ﻓﺮﺑﻤﺎ ﺃﺳﻔﺮﺕ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻈﺮﺓ – ﻭﻃﺎﻟﻤﺎ ﻓﻌﻠﺖ – ﻋﻦ ﺍﺧﺘﻼﻝ ﻓﻲ ﻣﻮﺍﺯﻳﻦ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻭﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ، ﻫﺬﺍ ﺍﻻﺧﺘﻼﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻔﻀﻲ، ﻓﻲ ﺃﻗﺼﻰ ﺣﺎﻻﺗﻪ، ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﺮﻭﺏ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺍﻷﻫﻠﻴﺔ ﻭﺍﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﺃﻗﺴﻰ ﺍﻟﺤﺮﻭﺏ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ. ﻭﻻ ﻧَﻨْﺲَ ﺍﻟﺤﺮﻛﺎﺕ ﺍﻹﺭﻫﺎﺑﻴﺔ ﺍﻟﺤﺎﺻﻠﺔ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﺪﻳﻦ.
ﻭﻻ ﺗﻘﺘﺼﺮ ﺍﻟﻨﺰﻋﺔ ﺍﻹﻟﻐﺎﺋﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺑﻴﻦ ﺍﻷﺩﻳﺎﻥ، ﺑﻞ ﻧﺠﺪﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﺷﺪِّﻫﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺬﺍﻫﺐ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ. ﻫﻨﺎ ﺗَﻌﺘﻘﺪ ﻓﺌﺔ ﻓﻲ ﺩﻳﻦ ﻣﻌﻴﻦ ﺃﻧﻬﺎ ﻭﺣﺪﻫﺎ "ﺍﻟﻔﺮﻗﺔ ﺍﻟﻨﺎﺟﻴﺔ"[25]
، ﻣﺼﻨِّﻔﺔً ﻣﺎ ﻋﺪﺍﻫﺎ ﻓﻲ ﻋﺪﺍﺩ "ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺍﻟﻬَﻠْﻜﻰ". ﻭﻃﺎﻟﻤﺎ ﺃﺩَّﻯ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺼﻨﻴﻒ ﺇﻟﻰ ﺣﺎﻻﺕ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﺘﻜﻔﻴﺮ ﻭﺍﻟﺤَﺮْﻡ ﻭﺣﺘﻰ ﺍﻟﺘﺼﻔﻴﺔ ﺍﻟﺠﺴﺪﻳﺔ.
ﻻ ﻋﺠﺐ، ﺇﺫًﺍ، ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻭَﻫْﻢ ﺍﻹﻟﻐﺎﺋﻴﺔ ﻫﺬﺍ ﻣﻦ ﺃﻗﻮﻯ ﺍﻟﺪﻭﺍﻓﻊ ﺍﻟﺘﻲ ﺟَﻌﻠﺖ ﻋﺪﺩًﺍ ﻣﻦ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻭﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ، ﻭﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﻣﻦ ﺃﺗﺒﺎﻉ ﺍﻟﺨﻂ ﺍﻟﺴﻠﻮﻛﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ، ﻳﺮﺑﻄﻮﻥ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺑﺎﻟﻌُﺼﺎﺏ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﻌﻴﺪ ﺍﻟﻨﻔﺴﻲ ﻭﺍﻟﺘﻌﺼﺐ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﻌﻴﺪ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ. ﻭﻻ ﻳﺠﺪﻱ ﺍﺣﺘﻤﺎﺀُ ﺑﻌﺾ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﺤﻤﻴَّﺔ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺑﺰﻋﻤﻬﻢ ﺃﻥ ﻣﺎ ﺗَﺪْﺭﺳﻪ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﺴﻠﻮﻛﻴﺔ ﻟﻴﺲ ﻫﻮ ﺍﻟﺪﻳﻦ، ﻟﻜﻨﻪ ﺍﻧﺤﺮﺍﻓﺎﺕ ﺑﺸﺮﻳﺔ ﺗﻨﺘﺤﻞ ﺻﻔﺔ ﺍﻟﺪﻳﻦ. ﻓﻔﻲ ﻛﻞ ﺩﻳﻦ ﺟﺎﻧﺐ ﺇﻟﻬﻲ ﻫﻮ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﻳﺔ، ﻭﺟﺎﻧﺐ ﺑﺸﺮﻱ ﻫﻮ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻭﺍﻟﻌﻤﻞ ﺑﻤﻘﺘﻀﺎﻫﺎ. ﻟﺬﻟﻚ ﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﺍﻟﻠﺠﻮﺀ ﺇﻟﻰ ﺫﺍﻙ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﻴِّﺰ ﺑﻴﻦ "ﺣﺴْﻦ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ" ﻭ"ﺳﻮﺀ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ". ﻭﻻ ﺑﺪَّ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺴﻠﻴﻢ ﺑﺄﻥ ﻫﻨﺎﻙ "ﺩﻳﻨًﺎ" ﻭ"ﺩﻳﻨًﺎ"، ﻻ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﻌﻴﺪ ﺍﻹﻟﻬﻲ ﻃﺒﻌًﺎ ﺑﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﻌﻴﺪ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ: ﻭﺍﺣﺪًﺍ ﺳﻠﻴﻤًﺎ ﻭﺍﻵﺧﺮ ﺳﻘﻴﻤًﺎ. ﺍﻟﻨﻮﻉ ﺍﻷﻭﻝ، ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻲ – ﺍﻟﺸﻜﻠﻲ، ﻫﻮ ﺍﻟﺘﺮﺑﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻨﻤﻮ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺘﻌﺼﺐ. ﻭﺍﻟﻨﻮﻉ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ، ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ – ﺍﻟﺠﻮﻫﺮﻱ، ﻫﻮ ﺍﻟﻤﻬﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻮﻟﺪ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺘﺴﺎﻣﺢ. ﻓﻲ ﻛﻞ ﺍﻷﺩﻳﺎﻥ ﻧﺠﺪ ﻫﺬﻳﻦ "ﺍﻟﺪﻳﻨَﻴﻦ"، ﻋﻠﻰ ﺗﻔﺎﻭﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﺭﺟﺎﺕ. ﻓﺎﻟﻤﺘﻌﺼِّﺐ ﻣﺆﻣﻦ، ﻻ ﺑﻞ ﻫﻮ ﺣﺎﺭٌّ ﻓﻲ ﺇﻳﻤﺎﻧﻪ. ﻟﻜﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺮﺍﺭﺓ ﺣﺎﺭﻕ ﻟﻪ ﻭﻟﻶﺧﺮﻳﻦ.
ﻭﻟﻌﻞَّ ﻣﻦ ﺃﺷﺪ ﻣﻈﺎﻫﺮ ﺍﻹﻟﻐﺎﺋﻴﺔ ﺗﻄﺮﻓًﺎ ﻧﻈﺎﻡ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﻤِّﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﺩﻳﻨﻴًﺎ، ﻭﻳﺘﻮﻻَّﻩ ﺃُﻧﺎﺱ ﻳﺘﻮﻫَّﻤﻮﻥ ﺃﻧﻬﻢ ﻳﻨﻔِّﺬﻭﻥ ﻣﺸﻴﺌﺔ ﺍﻟﻠﻪ. ﺇﻥَّ ﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻳﻤﻨﺢ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﻧﻮﻋًﺎ ﻣﻦ ﺍﻻﻃﻼﻗﻴﺔ ﻳﻈﻦ ﻣﻌﻪ ﺃﻧﻪ ﻇﻞُّ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺭﺽ ﻭﺃﻧﻪ ﻳﻔﻌﻞ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻔﻌﻞ. ﻟﻜﻦ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺻﺤﻴﺤًﺎ، ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺍﻻﻧﻘﻼﺑﺎﺕ ﻭﺍﻻﻏﺘﻴﺎﻻﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻨﻔِّﺬﻫﺎ ﺍﻟﺤﻜَّﺎﻡ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﻮﻥ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ، ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺍﻟﺘﺼﺤﻴﺢ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ، ﺛﻢ ﻻ ﻳﻠﺒﺚ "ﺍﻟﻤﺼﺤِّﺤﻮﻥ" ﺃﻥ ﻳﺘﻌﺮﺿﻮﺍ ﻟﻠﻤﻌﺎﻣﻠﺔ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﺮﻛﺎﺕ ﺗﺼﺤﻴﺢ ﻣﻀﺎﺩﺓ؟ ﺇﻥَّ ﺍﻟﺤﻜﺎﻡ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﻴﻦ ﻟﻴﺴﻮﺍ ﺳﻮﻯ ﺑَﺸَﺮ، ﻳﺤﻤِّﻠﻮﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻛﻞ ﻣﻮﺑﻘﺎﺗﻬﻢ. ﻭﻟﻨﺘﺬﻛﺮ ﻗﻮﻝ ﺍﻟﻤﻔﻜﺮ ﺍﻷﻟﻤﺎﻧﻲ ﻟﻮﺩﻓﻴﻎ ﻓﻮﻳﺮﺑﺎﺥ (1804 – 1872):
*ﺣﻴﺜﻤﺎ ﺃُﻗﻴﻢَ ﺍﻟﺤﻖ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻹﻟﻬﻴَّﺔ، ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺒﺮﻳﺮ ﺃﺷﺪ ﺍﻷُﻣﻮﺭ ﺳﻮﺀًﺍ ﻭﻇﻠﻤًﺎ[26]
.*
*ﺧﻄَّﺔ ﻟِﻨَﺰْﻉ ﺍﻷﻭﻫﺎﻡ*
ﻫﺬﻩ ﻫﻲ ﺃﻭﻫﺎﻡ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺃﻭﻫﺎﻡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺭﺗﺄﻳﻨﺎ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭﻫﺎ ﻭﻭﺻﻔﻬﺎ، ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺣَﺪَّﺩﻧﺎ ﺑﻌﺾ ﻋﻮﺍﻣﻠﻬﺎ. ﻭﻳﺒﻘﻰ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ: ﻣﺎ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻟﻠﺨﺮﻭﺝ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻭﻫﺎﻡ؟ ﺍﻟﻘﺼﺔ ﺍﻟﻼﺣﻘﺔ ﺗﻄﻮﻝ ﻫﻲ ﺃﻳﻀًﺎ، ﻭﺗﺸﻜِّﻞ ﻣﻮﺿﻮﻋًﺎ ﻗﺎﺋﻤًﺎ ﻓﻲ ﺫﺍﺗﻪ. ﻟﻜﻨﻲ ﺳﺄﺧﺘﺼﺮﻫﺎ ﻓﻲ ﺛﻼﺙ ﺧﻄﻮﺍﺕ.
ﺍﻟﺨﻄﻮﺓ ﺍﻷُﻭﻟﻰ ﺗﻘﺘﻀﻲ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺒَﻲ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﺪﻳﻦ. ﻭﻫﺬﺍ ﻳﺘﻢُّ ﻋﺒﺮ ﻃﺮﺡ ﺃﺳﺌﻠﺔ ﻋﻦ ﻣﺎﻫﻴﺔ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﻧﻄﺎﻗﻪ ﻭﻣﻨﻄﻘﻪ، ﻛﻤﺎ ﻋﻦ ﻣﺎﻫﻴﺔ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﻧﻄﺎﻗﻪ ﻭﻣﻨﻄﻘﻪ، ﻟﻨﺤﺼﻞ ﻋﻠﻰ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻟﻠﻌﻠﻢ ﻭﻓﻠﺴﻔﺔ ﻟﻠﺪﻳﻦ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﻓﻲ ﺿﻮﺀ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺍﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺑﻴﻦ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺻﺤﻴﺢ ﻭﻣﺨﻄﺊ ﺃﻭ ﻣﻼﺋﻢ ﻭﻏﻴﺮ ﻣﻼﺋﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺪَّﻋﻲ ﺍﻻﺣﺘﻜﺎﻡ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺃﻭ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻓﻲ ﺇﺭﺳﺎﺀ ﻣﻨﺎﻗﺸﺎﺗﻪ.
ﺍﻟﺨﻄﻮﺓ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻫﻲ ﺗﻮﺯﻳﻊ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺃﻭ ﺍﻗﺘﺴﺎﻣﻪ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ. ﻓﻤﺘﻰ ﻧﺸﺄﺕ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﺻﺤﻴﺤﺔ ﻟﻠﻌﻠﻢ ﻭﻓﻠﺴﻔﺔ ﺻﺤﻴﺤﺔ ﻟﻠﺪﻳﻦ، ﺑﺎﺕ ﻣﻦ ﺍﻷﺳﻬﻞ ﻛﺸﻒُ ﺍﻷﻭﻫﺎﻡ ﻋﻠﻰ ﻛﻼ ﺍﻟﻄﺮﻓﻴﻦ، ﻭﻫﻲ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺟﺪًﺍ ﻭﻻ ﺗﻘﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﻲ ﺣﺪَّﺩﻧﺎﻫﺎ، ﻭﺍﺑﺘﻜﺎﺭُ ﻃﺮﻕ ﻹﺯﺍﻟﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ ﻭﺍﻟﻨﻔﻮﺱ. ﻫﻜﺬﺍ ﺗﺘﺮﺳﺦ ﻓﻲ ﺃﺫﻫﺎﻥ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ ﻋﻤﻮﻣًﺎ، ﻣﺎﻫﻴﺔ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺸﺎﻃَﻴﻦ ﺍﻟﺤﻴﻮﻳَّﻴﻦ، ﻣﻊ ﺍﻷﻧﻤﺎﻁ ﺍﻟﻤﻤﻜﻨﺔ ﻟﺤﺴﻦ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻪ ﻭﺳﻮﺀ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻪ. ﻭﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺍﻻﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺃﻧﻪ، ﻣﻬﻤﺎ ﺑﻠﻎ ﺍﻟﺘﺒﺎﻳُﻦ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﻄﺎﻗَﻴﻦ ﻭﺍﻟﻤﻨﻄﻘَﻴﻦ، ﻓﺎﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﺪﻳﻦ ﻳﺘﻼﻗَﻴﺎﻥ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ، ﻷﻥ
*ﺍﻻﻧﺴﺎﻥ ﻭﺍﺣﺪ ﺫﺍﻙ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﺎﺭﺱ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﻳﻮﺍﺟﻪ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻭﻳﺤﺎﻭﻝ ﺃﻥ ﻳﻌﺮﻑ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﺃﻓﻀﻞ. ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﺃﻥ ﻳﺒﺪﻭ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺪﺍﺧﻞ ﺍﻟﻤﺤﺘﻮﻡ ﺃﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻟﻤﺼﻠﺤﺔ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺃﺣﻴﺎﻧًﺎ ﺿﺪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺼﻠﺤﺔ. ﻟﻜﻦ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ، ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﺼﻞ ﺍﻟﺘﺪﺍﺧﻞ ﺿﻤﻦ ﺣﻴﺎﺗﻪ، ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻮﻟَّﻰ ﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺤﺔ. ﻭﻟﺌﻦ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻳﻘﻒ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺧﻂ ﺩﻓﺎﻉ ﻋﺴﻴﺮ، ﻭﺳﻂ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻈﺮﺍﺕ ﻭﺍﻷﻧﻈﻤﺔ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻟﺘﺸﻜﻴﻜﻴﺔ ﻭﺍﻹﻟﺤﺎﺩﻳﺔ، ﻓﻸﻥَّ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺤﺔ ﻟﻢ ﺗﺤﺼﻞ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮٍ ﻣﺮْﺽٍ ﺇﺟﻤﺎﻻً[27]
.*
ﺍﻟﺨﻄﻮﺓ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻫﻲ ﺗﻄﺒﻴﻖ ﺍﻟﻄﺮﻕ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺷﺮﻧﺎ ﺇﻟﻴﻬﺎ. ﻫﻨﺎ ﻳﺄﺗﻲ ﺩَﻭﺭ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺃﻭﻻً، ﺑﺪﺀًﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺘﺄﺳﻴﺴﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺨﺼﻮﺹ، ﻷﻥ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻐَﺮ ﺃﺳﺎﺱ ﻛﻞ ﻋﻠﻢ. ﻭﻟﻤﺒﺴِّﻄﻲ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ، ﻣﻦ ﻣﺆﻟِّﻔﻲ ﻛﺘﺐ ﻣﺪﺭﺳﻴﺔ ﻭﻣﻌﻠﻤﻴﻦ ﻭﺳﻮﺍﻫﻢ، ﻋﻤﻞ ﺿﺨﻢ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺠﺎﻝ. ﻟﻜﻦ ﻳﺠﺪﺭ ﺑﺎﻹﺩﺍﺭﺍﺕ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭ ﺍﻟﻤﻌﻠﻤﻴﻦ ﻭﺇﻋﺪﺍﺩﻫﻢ، ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻌﻠِّﻤﻮ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﻋﺎﺭﻓﻴﻦ ﺑﻤﻨﻄﻖ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﻧﻄﺎﻗﻪ ﻭﻣﻌﻠِّﻤﻮ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻋﺎﺭﻓﻴﻦ ﺑﻤﻨﻄﻖ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﻭﻧﻄﺎﻗﻬﺎ، ﻭﺑﺤﻴﺚ ﻳﺄﺗﻲ ﻋﻤﻠﻬﻢ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﺼﻒ ﻣﻨﺴﺠﻤًﺎ، ﻛﺄﻧﻤﺎ ﻫﻢ ﻋﺎﺯﻓﻮﻥ ﻓﻲ ﺃُﻭﺭﻛﺴﺘﺮﺍ ﻭﺍﺣﺪﺓ. ﻭﻳﺄﺗﻲ ﺍﻹﻋﻼﻡ ﺭﺩﻳﻔًﺎ ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ. ﻭﻫﻮ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﻤﺴﺘﻤﺮ ﺍﻟﻤﻮﺟَّﻪ ﺇﻟﻰ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻗﻄﺎﻋﺎﺕ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ. ﻭﻫﻨﺎﻙ ﻣﺆﺳﺴﺎﺕ ﺃُﺧﺮﻯ ﺫﺍﺕ ﺩَﻭﺭ ﻓﻌَّﺎﻝ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺠﺎﻝ، ﺃﻫﻤﻬﺎ ﻣﺮﺍﻛﺰ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ ﻭﺍﻟﺠﻤﻌﻴﺎﺕ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ.
ﺃﻳَﻜﻮﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺮﻧﺎﻣﺞ ﻃَﻤﻮﺣًﺎ ﺟﺪًﺍ ﻭﻏﻴﺮ ﻭﺍﻗﻌﻲ؟ ﺇﻥَّ ﺍﻟﻄﻤﻮﺡ ﺳﻤﺔ ﻛﻞ ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ ﺃﻭ ﺗَﺼﻮُّﺭ ﺃﻭ ﺗﺨﻄﻴﻂ، ﻭﺇﻻ ﻓَﻘﺪَ ﺻﻔﺔ ﺍﻟﺘﻄﻠﻊ ﻭﺭﺍﺀ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻛﺎﺋﻦ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ. ﺃﻣﺎ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻏﻴﺮ ﻭﺍﻗﻌﻲ، ﻓﺎﻷﻣﺮ ﻟﻴﺲ ﻫﻜﺬﺍ ﺣﺘﻤًﺎ ﺇﺫﺍ ﻧﺤﻦ ﻧَﺸَﺪْﻧﺎ ﺍﻷﻓﻀﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﻭﺍﻡ. ﺑِﻐَﻴﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺨﻴﺎﻝ ﺍﻟﺨﻼَّﻕ، ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﻦ ﻣﺴﺘﻠﺰﻣﺎﺕ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﺴﻠﻴﻢ ﻭﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ، ﻟﻦ ﻳﺤﺼﻞ ﺃﻱ ﺳﻌﻲ ﺃﻭ ﺗَﻘﺪﻡ.
ﻭﻟﺌﻦ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺻﺮﺧﺔ ﻣﺸﺘﺮﻛﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﺪﻳﻦ ﻓﻬﻲ: ﺇﻟﻰ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ، ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺗﺄﻟُّﻘﻪ ﻓﻲ ﺃﻛﻤﻞ ﺑﻬﺎﺀ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺑﻠﻮﻏﻪ. ﻟﻜﻦ ﻣﻬﻤﺎ ﻓﻌﻠﻨﺎ ﻟﻤﺤﺎﺭﺑﺔ ﺍﻷﻭﺛﺎﻥ ﻓﻲ ﻧﻄﺎﻗَﻲ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﺪﻳﻦ، ﺍﻟﻤﻤﺘﺪَّﻳﻦ ﻋﻠﻰ ﻛﺎﻣﻞ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ ﻭﻋﺎﻟﻤﻨﺎ، ﻓﻠﺴﻮﻑ ﻳﺸﺮﺋﺐُّ ﻭﺛﻦ ﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﺭﺑﻤﺎ ﻟﻢ ﻧﻼﺣﻈﻪ ﻭﺁﺧﺮ ﻣﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺘﻮﺍﺭﻳًﺎ ﺃﻭ ﻣﻠﺘﺒﺴًﺎ، ﺃﻭ ﻟﻌﻠَّﻪ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻮﻟﻮﺩًﺍ ﺟﺪﻳﺪًﺍ ﻷﺣﺪ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ ﺍﻟﻴﺎﻓﻌﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻴﺎﺋﺴﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﺒﺎﺋﺴﺔ.
ﺃﺟَﻞ، ﻓﻠﻨﻌﻤﻞ ﻣﻌًﺎ ﻟﻠﻘﻀﺎﺀ، ﻣﺎ ﺍﺳﺘﻄﻌﻨﺎ، ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻭﺛﺎﻥ. ﻭﻻ ﻧﻴﺄﺳﻦَّ ﻣﻦ ﻋﺪﻡ ﺯﻭﺍﻟﻬﺎ ﻛﻠِّﻴًﺎ – ﻷﻥَّ ﻭﺛﻦ ﺍﻟﻘﺒﻴﻠﺔ، ﺑﺎﻟﻌﻮﺩﺓ ﺇﻟﻰ ﺗﺼﻨﻴﻒ ﻓﺮﻧﺴﻴﺲ ﺑﻴﻜﻮﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﺪﺃﻧﺎ ﺑﻪ، ﺑﺎﻕٍ ﻣﺎ ﺑﻘﻴﺖ ﺍﻟﻘﺒﻴﻠﺔ، ﻭﻭﺛﻦ ﺍﻟﻜﻬﻒ ﺩﺍﺋﻢ ﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﺍﻟﻜﻬﻒ، ﻭﻭﺛﻦ ﺍﻟﺴﻮﻕ ﻫﻨﺎﻙ ﻓﻲ ﺃﺭﻭِﻗﺔ ﺍﻟﺴﻮﻕ، ﻭﻭﺛﻦ ﺍﻟﻤﺴﺮﺡ ﻣﻦ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻤﺴﺮﺡ. ﻟﻜﻦ ﻃﻮﺑﻰ ﻟﻠﻌﻘﻞ ﺍﻟﻤﺘﻨﻮِّﺭ، ﻷﻧﻪ ﺳﺮﺍﺝ ﻳﻀﻲﺀ ﻭﺳﻂ ﺍﻟﻈﻼﻡ.
*** *** ***
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق